حمزة عليان:
ما الذي يستدعي فتح ملف مضى عليه نحو 54 عاما يعرف باسم مجازر «أيلول الأسود» نسبة إلى الأحداث التي اندلعت بين فصائل فلسطينية مسلحة وبين الجيش الأردني كانت مدينة عمان وغيرها من المناطق مسرحاً لها؟ في تلك الفترة كنت أعمل في مجلة الحوادث لصاحبها الأستاذ سليم اللوزي، الذي كانت له صولات وجولات في البحث عن خلفيات ما حدث والكتابة عنه مع صور نادرة كنتُ بحكم وظيفتي بقسم الأرشيف مطلعاً عليها وحافظاً لها. المفاجأة كانت عندما أهداني أخيراً الشاب النشط صاحب بودكاست «حسين يفكر» مجموعة من أعداد مجلة الحوادث لسنة 1970 و1974 وأنا أتصفحها عادت بي الذاكرة إلى أسماء كانت تعني لي الشيء الكثير أمثال: محمود مرعشلي وإسكندر أيوب ووليد عوض وعصمت شنبور، ونبيل أبوحمد ونيازي جلول وطلعت يوسف وطلال رحمة وإبراهيم سلامة ورياض شرارة والحاج برهان كبارة وآخرين. عام 1970 شهد العالم العربي حدثين بارزين كان لسليم اللوزي و»الحوادث» الصوت الأكثر تأثيراً، وأحداث «أيلول الأسود» بالأردن، وذهاب رئيس ومجيء سليمان فرنجية إلى القصر الجمهوري. نصف العدد عن «فخامة ابن زغرتا» وتساؤلات عن السياسة الخارجية التي سيرسمها؟ ولبنان بين طوني فرنجية وابن عمه سمير، ووصايا الرئيس شارل حلو إلى فرنجية، وتقرير حول مستقبل رشيد كرامي السياسي، أما الأردن فكان تحت عنوان «عمان… عاصمة الموت». في العدد التالي من شهر أكتوبر 1970 وهو الذي استوقفني ودفعني إلى الكتابة عنه كونه يتضمن قصة طال الحديث عنها وحولها والأشخاص الذين نقلوها وهو ما يرقى إلى رواية تاريخية تستحق أن تحفظ وتدون. الرواية نشرت بعنوان «سوف تذهب معي ولو أن الثمن حياتي» مع صورتين الأولى لياسر عرفات والثانية للشيخ سعد العبدالله السالم الصباح أنقلها بتصرف: «روى أحد رجال المقاومة الفلسطينية حادثة جرت خلال المجزرة التي وقعت في عمان في الشهر الماضي، فقال: «عندما وصلت اللجنة التي ألّفها مؤتمر الملوك والرؤساء العرب برئاسة رئيس مجلس قيادة الثورة السودانية، جعفر نميري، نزلت في مبنى السفارة المصرية، ومن هناك اتصلت اللجنة بأبو عمار بواسطة اللاسلكي وطلبت منه الحضور إلى السفارة، وقد تم الاتفاق بين الرئيس نميري وبين أبوعمار على تعيين الطريق التي يجب أن يسلكها الأخير حتى يمكن تأمينها، وقال أبوعمار: سوف نرسل رجلين من الفدائيين يحملان العلم الأبيض، فإذا استطاعا أن يصلا إليكم بأمان، فهذا يعني أن في إمكاني الحضور بعد ذلك، تم التقاط هذا الاتصال، فأوعزت الجهات المعنية إلى قوات الجيش بعدم إطلاق النار على الرجلين اللذين سيحملان العلم الأبيض، على أمل أن يقع أبو عمار في الشرك بعد ذلك، وعندما وصل الرجلان على مبنى السفارة تبين أن أحدهما كان أبوعمار، واكتشفت قيادة الجيش الأردني أن «أبوعمار» خدعها، اتفق مع الباهي الأدغم رئيس وزراء تونس مع الملك على إرسال وفد عنه، وفعلا وصل كل من وصفي التل وزين بن شاكر وحابس المجالي للمفاوضة، بينما بقي أبوعمار في غرفة أخرى من السفارة. وبعد انتهاء الحديث، قال أبوعمار لأعضاء اللجنة، يبدو أن هؤلاء الناس يريدون رأسي أنا بالذات، كل هذه المحادثات لا قيمة لها في رأيي، اسمعوا، انجوا بأنفسكم وعودوا إلى القاهرة واتركوني هنا لمصيري. وهنا أخذت النخوة الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، وكان وزيراً للداخلية في الكويت وقال لأبو عمار: «والله لن أدعك هنا، سوف تذهب معي ولو كانت حياتي هي الثمن». وقام أبو عمار فحلق ذقنه، وركب المصفحة التي كانت الحكومة الأردنية قد وضعتها تحت تصرّف أعضاء اللجنة العربية، إلى مطار عمان، ومن هناك ركب الطائرة إلى القاهرة»، وهكذا أنقذ الشيخ سعد العبدالله، يرحمه الله، ياسر عرفات من الهلاك.