قبل 13 عاما ‘أطلقوا’ الرصاص على ناجي العلي

  الكاتب:حمزة عليان

  المصدر: القبس (الكويت)

  تاريخ نشر المقال:22/07/2000

أراد ان يصرخ بالكلمة لكنه اكتشف ان الكاريكاتير هو الأداة الأنسب للتوصيل
لم يتوقف لحظة عن انتقاد ‘المتسولين’ لاستعادة حقوقهم
‘حنظلة’ِِ ولادة كويتية، حفظه من الانزلاق والتراجع

كتب حمزة عليان:
صار من المألوف ان تقع عيناك على اسم ناجي العلي في ذكرى اغتياله يوم التاسع والعشرين من اغسطس عام 1987.
وبات هذا الاسم، مادة صحفية، يتم استذكارها بالمناسبة، باعتبارها نوعا من الذكريات، لكنها ذكريات أليمة تثير في النفس الكثير من الأسى والحزن على رحيل ‘رسام’ تم التخلص من ريشته بواسطة الاغتيال.
انها الوسيلة التي امتهنتها بعض الانظمة والقوى السياسية في العالم العربي، لأنها لم تألف الاختلاف بالرأي، ولا هي ترغب باعطاء الآخرين مساحة من حرية التعبير.
اليوم، يكون قد مضى على رحيل ناجي العلي، ثلاث عشرة سنة، بعدما افرغ ‘احدهم’ رصاصات قاتلة وغادرة في رأسه في الثاني والعشرين من يوليو عام 1987، امام مبنى جريدة ‘القبس’ الدولية في لندن، فأقعدته فريسة الغيبوبة التي لم يفق منها ابدا حتى فارق الحياة بعد خمسة اسابيع من العملية الدنيئة التي قيل الكثير حول مرتكبها ودوافعها.
ومن اكثر الروايات التي تدوولت بعد رحيله ان عميلا مزدوجا يعمل لصالح الموساد وجماعة ابو عمار افضت الى مقتله، وان جهاز المخابرات الاسرائيلي كان متواطئا مع جهاز المخابرات الفلسطينية حينذاك.
ولعل اغرب الروايات، ما كشفه عميل اسرائيلي سابق لجهاز المخابرات، في اعتراف حين جاء ضمن كتاب قام بتأليفه ‘أوزني ماهينامي’ مع بسام ابو شريف بعنوان ‘تم تجربته من خلال اطلاق النيران’.
ومهما كان من امر تلك السيناريوهات، فان فعل الاغتيال مازال ماثلا في الاذهان وفي الواقع وكثيرا ما تناول ‘كاتم الصوت’ في رسوماته بطريقة السخرية والرفض، كما اعتاد ان يعبر في مناسبات واحداث مماثلة.
وشهرة ناجي العلي، بل موقعه في الذاكرة، انه رسام كاريكاتير سياسي من الدرجة الاولى، فهذه الشهرة، جاءت من كونه ابن قضية فلسطين وهب نفسه للدفاع عنها وللتبشير بالثورة التي يحلم بها وكما يراها هو نفسه.
فهذا ‘حنظلة’ الذي لا يفارقه ابدا، كرمز للمرارة وشاهد العصر الذي لا يموت، لا يبرح من الذهن بمجرد قول اسم ناجي العلي، فهو صورته وضميره، اراده طفلا مسيسا، لكنه بريء.
عام 1947 ابعد عن فلسطين ونزح مع عائلته الى جنوب لبنان ومكث بضيافة ‘اسكافي’ من مدينة بنت جبيل، صديق لوالده، انتقل بعدها الى مخيم عين الحلوة في صيدا.
عرف ناجي العلي، معنى ‘القنص’ مبكرا من خلال المواجهة التي وقعت بين اهالي ‘الشجرة’ مسقط رأسه، وسكان المستوطنة.
سنة 1957 سافر الى السعودية وبقي فيها سنتين رجع بعدها الى ‘مخيمه’ في صيدا، هذا المخيم الذي شهد له اول رسمة في حياته، بان قدمه على شكل هرم وفي قمة الخيمة بركان ترتفع منه يد مصممة على التحرير، اعجب بها اي ‘الرسمة’ غسان كنفاني ونشرها له في مجلة ‘الحرية’.
عام 1963 جاء الى الكويت وعمل في مجلة ‘الطليعة’ كرسام واحيانا كان يقوم بدور المخرج الفني والمحرر في آن واحد.
انتقل الى جريدة ‘السياسة’ عام 1968 وبقي فيها لغاية 1975، وذهب عائدا الى بيروت ليلتحق بجريدة ‘السفير’ اللبنانية، ثم رجع مرة ثانية الى الكويت ليعمل في السياسة لغاية 1977، ثم عاد الى ‘السفير’ مرة ثانية ويغادرها الى الكويت لينضم الى اسرة ‘القبس’ عام 1985.
اقام ناجي العلي عدة معارض خاصة به، اهمها تجربة ‘المرايا’ وهي عبارة عن ثلاث لوحات تدخلك قسرا من خلال مرآة في قائمة ‘المطلوب حيا او ميتا’ ومرآة ثانية تدخلك عنوة في ‘قائمة المعتقلين’ والثالثة تدخلك قسرا في ‘قائمة الشهداء’.
يقول عن هذه المرايا ‘يجب على كل فرد منا ان يرى نفسه داخل المرآة، لاننا جميعا مطلوبون بطريقة ما، وبمكان ما’، وكأنه اراد ان يوصل رسالة، بان كل واحد فينا هو جزء من ازمة الواقع العربي، لان الذين يعتقدون انهم احرار هم في الواقع نزلاء سجن كبير’.
اراد ان يصرخ بالكلمة، لكنه اكتشف ان الكاريكاتير هو الاداة المناسبة للتوصيل.
وعنده ان مهمة الكاريكاتير ليست اعلامية مجردة، بل مهمة تحريفية وتبشيرية تبشر بالامل والمستقبل وعليها كسر حاجز الخوف بين السلطة والناس، وعلى الرسام ان ‘يحك’ عقل القارئ، على حد تعبيره.
لقد حفر ناجي العلي مكانا له في اذهان الناس، خلال ثلاثين عاما من عطائه ولم يتوقف لحظة عن انتقاد وفضح المتسولين باستعادة حقوقهم.
ان افضل من عبر عن ‘حنظلة’ رفيقه الدائم هو ناجي العلي نفسه الذي يقول عنه ‘حملت بحنظلة في الكويتِِ وولدته هناكِِ خفت ان اتوه، ان تجرفني الامواج بعيدا عن مربط فرسيِِ فلسطينِِ وولد حنظلة ايقونة تحفظ روحي، وتحفظني من الانزلاق، حنظلة وفي لفلسطين وهو لن يسمح لي ان اكون غير ذلك، انه نقطة عرق عن جبيني تلسعني اذا ما جال بخاطري ان أجبن او اتراجع’.

الفنانون - فلسطين / الرسوم الكاريكاتورية - فلسطين / الإغتيالات - فلسطين / العلي، ناجي - السيرة الذاتية / أبوشريف، بسام

تعليقات

Facebook
Twitter

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *