حمزة عليان:
أجمل الهدايا أن تأتي من صديق أو من جهة لا تتوقعها، هذا العام تلقيت هدية عبارة عن ثلاثة كتب حديثة الإصدار وتقويم سنوي مصنوع بطريقة رائعة فيها أهم القصائد المغناة لشعراء مشهورين، الهدية أتت من مؤسسة فكرية أصحابها والقائمون عليها أهل ثقافة وعلم، أرسى دعائمها الأمير خالد الفيصل وتولى إدارتها الصديق هنري العويط وبفريق عمل مهني وكفاءة منهم الزميل أحمد فرحات. أحد الكتب التي أشرف على ترجمتها الأستاذ نصير مروة وأصدرها مركز البحوث والدراسات في مؤسسة الفكر العربي بعنوان «لن يكون العالم كما كان» وصادر عن دار نشر فرنسية، احتوى على مجموعة أبحاث قيمة منها بحث بعنوان «حدود وتناقضات دعاية اليوم» كتبه رئيس «مجلس أخلاقيات الإعلان»، دومنيك ولتون، إضافة إلى مناصب أخرى، اخترت هذا الموقع لصلته المباشرة بالبحث. لم تكن الدعاية تلبس لباس الجبروت والقوة على الدوام، وليست مضمونة الفوز للسلطة التي تستخدمها، وغالباً ما تكون خطرة، فمن دوائر الاستخبارات إلى التلاعب بالحشود، والاختلاسات تؤكد في النهاية الوجه المروع للدعاية، جاءت الثورة الرقمية لتعزيز ودعم هذا الجبروت. الباحث يناقش فرضيات ملحّة، وعمل مقارنات من شأنها «تحجيم» الإبهار الذي تمارسه، وعلينا القيام بتجريد الجبروت الدعائي من الصورة النمطية التي تظهره كجبروت مطلق وإضفاء شيء من النسبية عليه. أول الأسئلة: لماذا التهوين من أهمية حالات الفشل التي تُمنى بها؟ ولماذا لا تستنطق العولمة وتنتقد؟ وماذا عن الرهان الجوهري بين الإنسان والتقنية وأن الغلبة ستكون للتقنية دائماً؟ أي الآلة، ولماذا اليقين والاطمئنان إلى الإنترنت والشبكات، التي يعتقد أن الفوز مضمون فيها؟ وثمة فارق أساسي أنه ليس للدعاية التأثير والنفوذ أنفسهما حينما تمارس في زمن السلم أو الحرب. التحدي الحقيقي في الحرب الإعلامية يكمن في تطوير ثقافة نقدية، وهو سلاح لا يمكن الاستغناء عنه، فتنامي التكنولوجيا الرقمية والحجم المتعاظم الذي يأخذه الإعلام، لا يقلص مخاطر الإشاعات بل يجعلها تتزايد، فالإعلام لا يقتل الإشاعات بل غالباً ما يعززه، ويعوّل كثيرا على المهنة الصحافية المستقلة والصحافة التعددية باعتبارها الثقل الموازن الرئيس. يؤكد أن الدعاية ليست إعلاماً، وفي هذه المعركة تكون الثقة بالإعلام أمراً أساسياً للغاية، كما يكون حليف الدعاية فيها هو السرعة، لأنها تزيد اللبس والإبهام، وعندما يسير كل شيء بسرعة يسهل اللجوء إلى القوالب النمطية والصور، والإبطاء يوفر الفرصة لتعميق المعلومات، وبذلك يتحول إلى حرب نفسية. يخلص الباحث الفرنسي إلى استنتاج مفاده أن الذكاء الإنساني سلطة مضادة، وأن الثقافة والمعرفة هما السلاح النهائي والأخير ضد الدعاية، والتصدي للدعاية يمر في النهاية بإضفاء القيمة على التنوع الثقافي والدفاع عن رؤية أخرى للعلم. باختصار الدعاية في أحد أوجهها هي «عدم التفاهم المتبادل» وخطرها جعل الناس يعتقدون أن ثمة وحدة ممكنة للعالم، لذلك فإن قوة الديموقراطية هي إتاحة المجال لوجود تعددية، والاتصال هو التفاوض والتساكن والتعايش وقبول الكثرة دون ادعاء الوحدة المزيفة.