الرأي الآخر ‘انقلاب’ في العنوان جعل … عبدالناصر عميلا وبورقيبة قائد الأمة!

  الكاتب:حمزة عليان

  تاريخ نشر المقال:29/01/1999

العولمة عند البعض جواز سفر للهمبورغر إلى القرن الجديد

المسؤول في أميركا يحمل زبالته بيديهِِ والعرب ‘يلقونها’ على غيرهم

النظام العراقي يعيش هاجس المؤامرة الدائمةِِ لهذا يتآمر على الجميع

يكتبه : حمزة عليان

في حياة البعض مواقف لا تنسى، يسترجعها الراوي متى حان موعدهاِ

إحدى القصص ‘الخالدة’ عند أهل الصحافة، وجيل الخمسينات، سمعتها بالصدفةِ

خالد التركاوي، القابع في مفترق الطرق بشارع الصحافة الكويتية لديه ذاكرة حديدية، يستمتع بالحديث عن ‘أمجاده’ ويتخايل بمواقفه، وعندما كان يعمل في صحيفة ‘بيروت’ في الخمسينات حدث له ما لم يكن بالحسبانِ

ففي أحد تلك الايام وعندما كانت الصحف تطبع بواسطة ‘الانترتيب’ (أحرف الرصاص)، ويتم تركيبها بقوالب حديدية، حدث ان وضع عناوين الصفحة الاولى بالمقلوب، من دون ان يدري ماذا تتضمن، والمعروف ان تلك الصحيفة، كانت ناصرية الهوى، لدرجة ان الورق الذي تطبع عليه، يأتيها من مبنى السفارة المصرية في بيروتِ

في صباح اليوم التالي خرجت الصحيفة بالمانشيت العريض، وبالصفحة الاولى تحت عنوان ‘بورقيبة قائد الامة العربية وعبدالناصر عميل الإنغلو ـ اميركية’، وما ان وصلت الى مكتب وزير الداخلية آنذاك عبدالله المشنوق، حتى ‘طار عقله’، كما يقول اللبنانيون، وأمر باستدعاء المسؤول عن هذا العملِ وبعد استقصاء واستفسار، وما هي الا دقائق معدودة حتى جيء به من منزله مخفورا بثياب النوم، ليوضع في سيارة يرفرف عليها العلم اللبناني، ويتم ادخاله الى دارة الاستاذ عبدالله المشنوق، وجمع غفير من قيادات العمل السياسيِ

ما ان اطل برأسه حتى بادره المرحوم عبدالله المشنوق، بمنفضة سجائر رخامية الى وجهه من دون ان يعرف السبب، ثم أكمل عليه ابراهيم قليلات بأول ‘ضربة كف’، الذي تحول فيما بعد الى زعيم ناصري في بيروتِ وتبع ذلك عدد من الضربات واللكمات من دون ان يعرف مصدرها، ثم فتح تحقيق معه على الهواء مباشرة، وانهالت عليه الاسئلة: من دفع لك؟ ومن اي جهة قبضت؟ وبمن اتصلت؟ لتنتهي تلك العلقة الحامية باطلاق سراحه بعدما امضى ثلاثة ايام في مستشفى المقاصد، وتأكد لهم حسن نيته، وان العمل غير مقصود، وأنه خطأ بالتركيبِ

الصحافة اليومية والتنافس الخفي

ثلاث صحف يومية تصدر في دولة قطر باللغة العربية، تتبعها يوميات باللغة الانكليزية، وبعض الصفحات الموجهة للجاليات الآسيويةِ والصحف هي بحسب الاقدمية: الراية، الشرق، الوطن، وكل منها تمثل اتجاها ما او شريحة، وتعكس رؤيتها وتوجهاتها الى حد كبير، ف ‘الراية’ تعبر عن كبار التجار ورجال الاعمال، و’الشرق’ تعكس اتجاها اسلاميا من زاوية عوائل قطرية في اطار من الرزانة والهدوءِ اما ‘الوطن’ فانها اقرب الى دوائر السياسة الخارجية وراسميهاِ هذه الصحف تعيش نوعا من التنافس الخفي والتسابق على احتلال موقع الريادة، وهي تذكرنا بصحافة الكويت خلال عقد الثمانينات، مستعينة بذلك بكادر صحفي تنتمي غالبيته الى الجاليتين العربية والآسيوية، واكثر العرب من المصريين والفلسطينيين والسودانيين واللبنانيينِ

والظاهرة الافتة ، هي غياب العنصر القطري، في اقسام التحرير والادارات الفنية والمطابع، وهذه حال معظم المؤسسات الصحفية الخليجية، الا بعدد محدود جدا، ما عدا القيادات العليا، وهي بحكم القانون تستلزم ان تكون من ابناء البلدِ

لكن ما يستدعي التقدير هو ذلك التوجه عند تلك الصحف باقتحام عالم تكنولوجيا النشر والتطوير في الاجهزة، وانشاء مبان حديثة وواسعة، حيث تحتل كل صحيفة دارا ضخمة ومساحات واسعة لا يفصل بينها سوى مسافات قصيرةِ

إسهال ‘العولمة’

صارت ‘العولمة’ شعارا من دون معنى، لدرجة اصبح البعض معها يعتقد انه بمجرد حديثه عن العولمة، يعني جواز مرور له لدخول عالم القرن الحادي والعشرينِ

ويكاد لا يخلو يوم من ندوة ومقال وحديث، تكون العولمة قاسمها المشترك، وبتنا نردد الكلمة كالببغاء، نسير في ركبها، نتباهى ‘بالعصرنة’، كما كنا نتباهى بالحداثة، من دون ان يكون لنا فيها دور او موقعِ

فنحن مولعون بالشعارات الرنانة، نرددها من دون ان نعرف حقيقة حجمها والدعوة اليهاِ لقد رددوا شعار ‘يا عمال العالم اتحدوا’ لاكثر من نصف قرن، وكانت النتيجة اننا لا ذقنا طعم الاتحاد ولا عشنا حلاوة ‘عالمية العمال’ وانتهينا الى حيث بدأناِ

اليوم، صارت العولمة عند البعض مثل موضة او صرعة جديدة، يريد كل من يحلو له ان يمتطيها، فتراه يربط العولمة بالمرأة او العولمة بسوق الفحم في الشويخ او العولمة وتأثيراتها على الهمبورغرِ حتى بدا هذا العالم يخرج من القمقم ليدخل في عالم جديد، نستسلم له، نتلقى منه، من دون ان تكون لنا فيه هوية او دور، ولا ادري الى اين ستصل بنا رياح العولمة اذا ما استمررنا بهذا ‘الاسهال’ في استخدام الكلمة او المرحلة الجديدة من تطور العالم الصناعي ووحشيته التي تلتهم كل ما يقع تحت اقدامهاِ

اخشى ان نخسر هذه المعركة، كما خسرنا غيرها من الثورات العلمية والصناعية، ونفشل بالتالي في تأمين بطاقة دخولنا الى القرن الجديد، اذا ما استمررنا بتصوير الموضوع على انه موضة وتقليدِ

اللهم نجنا

من ‘مؤامراتهم’

يروي كاتب معاصر انه سأل صدام حسين مرة: لماذا تحجب الدولة السلع والخدمات عن المواطن العراقي، وتفتعل الازمات دوما؟ِ

اجابه صدام: ان هذا العراقي اذا ما وجد فراغا في وقته سيتآمر على السلطة، وعليهِِ فاننا يجب ان نبعده عن السياسة ونجعله مشغولا دائما بتوفير لقمة عيشهِ

وعقلية ‘المؤامرة’ هذه، لها خلفية تاريخية في سلسلة المعارك والمغامرات التي قادها صدام واركان حكمه المقربونِ حتى بات وجودهم مرهونا باختلاق المؤامراتِ

فقد تراءى لهم ان قيام الثورة الاسلامية في ايران هي ‘مؤامرة’ لضرب ‘انجازاتهم الخرافية’، لذلك كان لا بد من مواجهتهاِ

وتراءى لهم ان الكويت تتآمر عليهم مع الامبريالية العالمية لتركيعهم وتجويعهم، لذلك كانت غزوتهم المشؤومة في 2/8/1990ِ

وتراءى لهم ان وجود ‘اليونيسكوم’ والمفتشين الدوليين في العراق يبحثون عن اسلحة الدمار الشامل، هو استمرار للمؤامرة ‘الصليبية’، لذلك كان لا بد من ايقافهمِ

وهكذا تتعامل قيادة سياسية تتحكم ببلد مثل العراق، تعداده 18 مليون نسمة، من منطلق ان الكل يتآمر عليه، وعلى وجوده في السلطة، وبالتالي فان نهجه السياسي سيبقى رهينة التآمر والتآمر المضاد، الى ان يتم الله أمرا كان محتوما، واذا لم يجد من يتآمر عليه، فسيتآمر على المقربين منه ومن افراد عائلته التي كانت احدى ضحاياه، حسين كامل المجيد، الذي استدعته زوجته الى بيت عمه صدام، وكانت النهاية الدموية لحياته، لمجرد ان القائد المظفر شعر في لحظة ما انه يتآمر عليه ويخرج عن طوعهِ

زبالة المسؤول !

رئيس مجلس النواب الاميركي السابق، نيوت غينغريتش، احد رجالات السياسة المشهورين عالميا، والمنتمي للحزب الجمهوريِِ هذا الرجل خرج من منزله حاملا الكيس الاسود اياه، المليء بالنفايات، ليضعه في المكان المخصص لهِ

استوقفتني الصورة، تأملت فيها جلياِِ وطلعت علي الفكرة:

اكبر واشهر رئيس مجلس نواب في العالم يحمل الزبالة بنفسه ليرميها في الحاوية، كما رمى استقالته بوجه حزبه؟ِ

ترى، هل هذا نوع من الدعاية أم ان الاعلام الغربي يعمل على غسل ادمغتنا ليزيد انبهارنا بهِِ ام ان الامر عكس ذلك تماما؟ِ

هو سلوك حضاري، وممارسة يومية اعتاد عليها هؤلاء البشر في مجتمعهم، ولماذا لا نحذوا حذوهم؟ِ

قد يكون السؤال شاذا، وقد يخرج من يقول: أليس لديه خدم وحشم يقومون بتلك الاعمال الوضيعة؟ وما الذي يجبر شخصا في موقعه لان يفعل هذا؟ِ

ربما يقولون اكثر من ذلك، لكن هل نستطيع ان نتخيل زعيما سياسيا عربيا او رئيس مجلس نواب عربيا، تلتقط له الصحافة صورة وهو يحمل كيسا من الزبالة بيديه ويوصله الى حيث يوضع؟ِ

بالطبع لن يكون ميسورا لنا ان نستمتع بهذا المشهد، طالما ان المواكب والحراسات تسد كل الابواب والهواء على كل من يجاور مسؤولينا، باعتبار ان امنهم الشخصي يعلو فوق كل الاعتبارات و’التفاهات’ التي نتحدث عنها!!ِ

أحد الاصدقاء الذين شاهدوا الصورة، علق عليها بالقول ‘انها دعاية اعلامية، من الغرب، وما يدريك ان هناك مسؤولين عربا لا يقومون بالعمل نفسه، لكن من دون صحافة ولا بطيخ’؟!ِ

كتاب بوجهين

من يكتب بغير قناعاته، ماذا يمكن ان يكون؟ وكيف يبرر تغيير مواقفه ويستدير 360 درجة؟ اسئلة راودتني بعد ان قرأت كتابين لأحد الكتابِ الكتاب الاول يمثل رواية النظام، يتقصمها، ويعرضها بشكل بارع، بحيث لم يترك اشارة او معلومة الا ووظفها في خدمة الرواية، بكل ما فيها من مغالطات او تزوير للحقائقِ

استطاع هذا الكاتب ان يقنع نفسه بصحة ما طلب منه، ويحسن تسويقه، ويجيد التبريرات ورسم الصور والخرائطِ

الكتاب الثاني هو النقيض تماما، لكل ما جرى تدوينه في الرواية الاولى، تصعق من هول التغيير الذي اصاب الكاتب، وكأنه شخص آخر تماماِ

الكتاب الاول، كتبه في ظل النظام، والكتاب الثاني، كتبه في الخارجِِ والفرق ما بين الروايتين لا يحتاج الى مراجعةِ

في الحالة الاولى، كاتب يعيش في ظل نظام لا يؤمن بحرية التعبير والرأي، وفي الحالة الثانية، كاتب حر وطليق يسجل قناعاته، ويخاطب ضميره ومسؤوليته، ويكتب من الرؤية التي اتيحت لهِ

المقارنة مفجعة في الحالتين، بين كاتب مضطر الى ان يزور ويسوق فكرا ليس مقتنعا به، ويقدم نفسه على انه يؤرخ لمرحلة من الاحداث، ثم ينقلب على نفسه ويظهر بصورة اخرى تماما، من واقع انه حرِ

طيب، سؤال: اين يكمن الفصل بين الالتزام الاخلاقي بالكتابة والمسؤولية الادبية والتاريخية للكاتب، وبين ما يملى عليه من قبل سلطة جائرة؟ِ

حقا ان الفصل يبدو صعبا عند من يضع الاقنعة على وجهه وعقله، والتاريخ مليء بالشواهد التي فضحت نفرا من الروائيين والكتاب بعد مدة من الزمن، بازدواجية الوجهين والانتماءين، فالكاتب الانكليزي لورانس داريل الذي ألف اكثر من 20 رواية ومنها ‘رباعية الاسكندرية’، ظهر مؤخرا على انه عميل للمخابرات الانكليزيةِ

والمطرب الوقور والمشهور فرانك سيناترا، رفع الستار عن دوره في المخابرات الاميركية بعد رحيلهِ

ماذا أشكو؟

أتودين معرفة مما اشكو؟ِِ غيابك عنيِ

لا شيء يعوض غيابك سوى انتِ

كيفما توجهت، واينما ذهبت اراك، اتحدث اليكِ

كل الذي اعرفه واحس به، انني احبكِ

افتقدت حنانك، اشعر باللهفة الى لقائكِ

ليس في الدنيا أمر من ان يفتقد المرء عزيزا عليهِ

عرفتك، تقربت منك، تفهمت شخصيتك، وعشقت فيك كل شيءِ

التركاوي، خالد / المشنوق، عبدالله (وزير داخلية سابق) / قليلات، إبراهيم / غينغريتش، نيوت / حسين، صدام / الصحف - قطر / النظام الدولي الجديد / العراق - النظام السياسي / رجال السياسة - البلدان العربية / رجال السياسة - الولايات المتحدة الأميركية / حرية التعبير - البلدان العربية / بيروت (صحيفة) - لبنان

تعليقات

Facebook
Twitter

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *