حمزة عليان :
عبدالله القصيمي رجل فكر لا يشبه أحداً، بقيت كتاباته وأفكاره مثار جدل بعد وفاته، شخصيته أحدثت فارقاً بينه وبين أبناء جيله. كانت لفتة راقية من الشيخة أفراح مبارك الصباح عاشقة القراءة والثقافة، إهداؤنا مجموعة من إصدارات عبد الله القصيمي أخذت مني وقتاً لمطالعتها وليس للتبحر والقراءة النقدية الكاملة. أغنتني هذه المؤلفات السبعة بما يفيض عن حاجة القارئ المتواضع أمثالي، عناوين الكتب هي: «الثورة الوهابية» «هذه هي الأغلال» «يا كل العالم لماذا أتيت؟» «كبرياء التاريخ في مأزق» «هذا الكون ما ضميره؟» «فرعون يكتب سفر الخروج» «أيها العقل من رآك؟». كتب صادمة إن لم تكن عاصفة لذهنك تهز أركان وجودك كشخص تربى وعاش في بيئة محافظة إلى حد ما ومنفتحة إلى حد كبير على التعايش مع الآخرين. أي عنوان تختاره يجعلك تدور حول نفسك وتسألها أسئلة وجودية كما في كتابه «يا كل العالم لماذا أتيت؟»، يحاورك من الصفحة الأولى ويضعك في دائرة تأسر عقلك ويطرح عليك السؤال هكذا: «هل تستطيع يا كل العالم أن تسأل هذا السؤال أو تسمعه أو تقرأه أو تفسره أو تحاكم وجودك وآلهتك وأديانك دون أن تصرخ بكل لغاتك وحسراتك لا لا أريد ولا أستطيع أن أحاكم أو أخاصم أو أحاور نفسي ووجودي… إن ذاتي ووجودي هما كل أعدائي». نعم يا كل العالم من أين جئت؟ ولماذا جئت؟ يذهب القصيمي إلى حالة الشك في الوجود والعصيان والكفر فلا حدود لفجاعته التي صاغها في هذا الكتاب. في إصدار آخر يحمل عنوان «هذه هي الأغلال» يضيء على ما قدمه من مؤلفات معترفاً: «من الجائز أن أكون قد أخطأت أو بالغت في بعض المواقع، لكن أمرين يجب ألا يقع عندهما خلاف، أحدهما أني كنت مخلصاً في جميع ما كتب وأني ما أردت إلا خدمة أمتنا العزيزة، وثانيهما لم أحاول إلا أن أكون مؤمناً بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، ولكن حاولت أن يكون هذا الإيمان سليماً قوياً». أجمل ما قرأت عن عبدالله القصيمي وصف أدونيس له بالقول: «لا تستطيع أن تمسك به»، فهو صراخ يقول كل شيء ولا يقول… عبدالله القصيمي وفي الفكر العربي حدث ومجيء، حدث لأن صوت هذا البدوي الآتي من سماء المدينة ومكة صوت هائل فريد، ومجيء لأن في هذا الصوت غضب الرؤية والنبوة. في مقدمة كتابه «أيها العقل من رآك؟» يستهل ذلك بعنوان أنت لا تستطيع أن تكون ملحداً، وكما يرى القصيمي فإن العربي يتلوث لا يلحد، لأن التلوث على مستوى أعضاء، أما الإلحاد فمستوى عقل وأخلاق متمنياً للإنسان أخلاق النجوم، ويرفض أن يكون صاحب أخلاق الحشرات. يدفع بمقولة الاتهام بالإلحاد ويضعها على المحك وعندما يصل المجتمع إلى أن يتهمك بالإلحاد فهذا يعني أنه صار مجتمعاً مخيفاً في تخلفه، ومن وجهة نظره من يمتلك هذا السلاح هو تعبير عن الهمجية، ثم يضيف: أي عار يساوي أن تهدد أنت بذلك فتخاف وتكذب وتنافق وتصلي وتؤمن بلا صدق ولا حب ولا طهارة ولا إيمان؟! كبرياؤه وضعته في مصاف المفكرين الكبار، وهذا ما تجده في كتاب «كبرياء التاريخ في مأزق» الذي نقتطف منه مقطعاً يلخص أفكاره، يقول: «إن المتحكمين بالقرار هم جهاز الاستفراغ الذي تستفرغ به الجماهير أحزانها وعداواتها وفحشها وغباءها، تستفرغها عن نفسها وعلى ما حولها». يصف الشمس بأنها «الجرم الأبله الهائل أجمل وأضخم كائن دميم» لو كانت تستطيع الاحتجاج عن نفسها لكان من المحتوم أن تبحث عن بحر كوني يتسع لبدانتها الجوفاء لكي تموت فيه منتحرة غرقاً، ثم يتساءل: لماذا لم يرفض الكون نفسه؟ لماذا لم يمت انتحاراً؟ إنه لم يفعل لأنه لا يحتج.