إذا كانت مصر هِبةُ النيل، فإن فيلكا هِبةُ الكويت… هكذا بدأها أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة الكويت د. حسن جاسم أشكناني.في كل مرة نجلس أو ننصت إليه، يأسرك بحديثه، وتشعر أنك أمام قامة علمية أكاديمية قلّ مثيلها. بالطبع هناك من سبقه في الاهتمام بتاريخ وآثار الجزيرة والكتابة عنها، لكنه طبعة كويتية شبابية مختلفة بكل المقاييس.يذهب إلى أقاصي الدنيا لحضور مزاد علني، وعلى حسابه الخاص ومن جيبه يدفع ثمن مقتنيات وكتب نادرة، من دون أن يمنن على أحد أو يمد يده إلى أحد… قرأ كل التقارير الخاصة بآثار الكويت أو التي وثّقتها بعثات التنقيب المتتالية.هو اليوم يقوم بدور يماثل دور مؤسسة أو وزارة، ليس مبالغةً ولا مجاملة، بل كل من يعرفه أو يتعامل معه يخرج بهذا الانطباع.آخر لقاء شاركتنا به الأخت المهندسة نجود مدوه، في منزلها مع نخبة من المهندسين الأصدقاء، منهم فريد عبدال ومحمد المعتوق العسلاوي، وبدور بورسلي والأخت فضيلة مدوه، تحدّث من القلب عن رحلته مع فيلكا ومع الكتب، والدور الذي يقوم به من أجل حفظ تراث وتاريخ الجزيرة وما يتصل بها، سواء بجمع الصور والأفلام والوثائق منذ الخمسينيات وحتى اليوم.تخطى مقاعد الدراسة، ونزل إلى الميدان مع طلبته والبعثات التي تقوم بأعمال التنقيب، فإذا بحثت عنه يوماً ولم تعثر عليه، فستجده في أحد المواقع الأثرية أو داخل جزيرة فيلكا، وفي الاكتشافات الثلاثة الأخيرة كان اسم د. أشكناني حاضراً في كل المراحل وهو حضور أثار حنق البعض!خمس حضارات مرّت على فيلكا منذ 4 آلاف سنة عدا عن الآثار المكتشفة في الصبية قبل 7 آلاف سنة، يعني في هذه البقعة هناك حضارات عمرها أكثر من عمر حضارة الفراعنة في مصر… وهنا أيضاً تم العثور على أقدم تمثال لسفينة بالعالم، أي خمسة آلاف سنة قبل الميلاد.الكويت تزخر بالمتاحف العامة الثمانية، إلى جانب 1700 متحف خاص واحد منهم يملكه د. أشكناني في بيت والده الصديق أبو محمد – الذي لازمني بـ «القبس» لنحو ربع قرن تقريباً – والواقع بمنطقة بيان، ومفتوح لمن يرغب بالاطلاع يوماً بالأسبوع. هنا بعض ما أنتجه د. حسن أشكناني من أعمال، وبشكل مختصر: – أول دراسة أثرية باستخدام طرق تحليل كيميائية معدنية شاملة لفخاريات العصر البرونزي (قبل 4000 سنة) في جزيرة فيلكا خلال 9 سنوات في الولايات المتحدة الأميركية. – إنشاء قاعدة بيانات لفخاريات حضارة دلمون من موقع الخضر الأثري في جزيرة فيلكا (1950 قبل الميلاد)، وحصول البحث على الأكثر تنزيلاً عام 2022 من قبل شركة Wiley العلمية. – المشرف الرئيسي، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية، على مشروع تحليل آثار الكويت بطرق تحليل الإشعاع النووي والإشراف على آثار فيلكا. – تأسيس أكبر أرشيف وثائقي (صور، أفلام، وثائق، صحف ومجلات، مسودات، خرائط تاريخية، كتب رحالة نسخ أصلية منذ القرن 18م) عن جزيرة فيلكا وآثارها، بالتعاون مع منظمة يونسكو، حيث يضم أكثر من 3800 مادة أرشيفية. – إعداد أول كتالوج أو سجل مصور عن آثار جزيرة فيلكا في العصر البرونزي والهلينستي والإسلامي. – إعداد وتوثيق جزيرة فيلكا في البطاقات البريدية بإشراف المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وإنشاء مكتبة للمصادر التاريخية وكتب الرحّالة والتقارير التي ذكرت الجزيرة منذ القرن الـ 18. – دراسة أرشيف جزيرة فيلكا 1958 – 1963 المحفوظ في الدنمارك، وإنشاء قاعدة بيانات بالتعاون مع طلبة متحف ومختبر الآثار والأنثروبولوجيا في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت. – إطلاق أول موقع إلكتروني باللغة العربية عن آثار فيلكا، وتكريم أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، يرحمه الله، عام 2015 كموقع الفائز الأول.