قراءة في الازمة المائية لبلدان مجلس التعاون. دول مجلس التعاون الخليجي ضحايا ‘الندرة الكاملة للمياه’. من يسبق الآخر في مجال التحلية اسرائيل ام بلدان المجلس؟

  الكاتب:حمزة عليان

  المصدر: القبس الكويتية

  تاريخ نشر المقال:29/11/1999

لم يعد هناك من يجادل بوجود ‘ازمة’ في المياه على المستوى العالمي وتكاد ان تحظى هذه ‘الازمة’ باجماع دولي قل نظيره، وان اختلفت التقديرات بين جهة واخرى على حجم هذه الازمة وخطورتها بين منطقة واخرى، تبعا لظروفها السياسية والسكانية وموقعها الجعرافيِ
واذا ما انتقلنا بالحديث عن المنطقة الخليجية نبدأ بالتساؤل التالي:
هل ‘الامن المائي’ متحقق في بلدان مجلس التعاون الخليجي؟
اذا اخذنا بمعيار الكفاية وسد الحاجة من المياه في الوقت الراهن، وبدون حصر او تحديد لاي نوع من انواع المياه، فسيكون الجواب، بنعم، لكن هذه النعم مشروطة بعناصر وظروف اخرىِ
اما اذا اخذنا الامر بمعيار توفر ‘الموارد المائية’ فان الواقع يشير الى عكس ما نتمناهِ فمدير برنامج علوم الصحراء والاراضي القاحلة في جامعة الخليج العربي في البحرين السيد وليد خليل الزباري يدق ناقوس الخطر بقوله، ان دول الخليج العربي تعاني حاليا من عجز في ‘مواردها’ يقدر ب 4،16 بليون متر مكعب، وان سد هذا العجز، سيؤدي في ظل تشبع طاقة التحلية الى ضخ 30 بليون متر مكعب من الموارد الجوفية سنة 2015، مما سيترك آثارا سلبية في البيئة وملوحة التربةِ
أما اخذنا ‘الازمة’ بمعيار العجز بتوفير مياه الشرب فقط فان دول الخليج العربي ستعاني من عجز يصل الى 5 بلايين متر مكعب من المياه سنة 2025ِ
من المؤكد ان دول مجلس التعاون الخليجي تقوم باستغلال كامل مواردها المائية التقليدية وتلجأ كما هو شأن الدول المماثلة الى الموارد غير التقليدية كتحلية مياه البحر او ما يعرف بالمياه غير المتجددة، وهذا بطبيعة الحال يأتي نتيجة لتضاعف عدد سكان هذه الدول على الاقل خمس مرات في اربعة عقود وفي ظل ارتفاع الضغط على الموارد المائية بسبب التنمية الاقتصادية التي توسعت كثيرا خلال العشرين سنة الماضيةِ
ربما كان الموضوع المطروح يحتاج الى شيء من التوسع والتفصيل حتى نستطيع ان نحدد ملامح ‘الازمة’ ونتعرف اكثر على واقعها وما يعترضها من معوقاتِ
لنتوقف قليلا امام بعض المصطلحات التي درج اصحاب الاختصاص وخبراء المياه على استعمالها، فقد تساعدنا على التقرب اكثر من المشكلةِ
‘تعذيب’ المياه المالحة سيظل بديلا بلا حدود
عندما نقول ان هناك ‘نقصا قياسيا مزمنا’ في المياه فان هذا التعبير يعني حصول كل فرد على اقل من 1000 متر مكعب من المياه سنويا، وهو المعدل الطبيعي الذي وضعته الامم المتحدة كقياس لسد حاجة الانسان من هذه الثروةِ
لذلك اخذ مصطلح الندرة في المياه العذبة للدلالة على تناقص حصة الفرد وبالتالي خلق ‘ازمة’ ليس من السهولة التنبؤ بنتائجهاِ
ويكفي ان نعلم ان زيادة عدد سكان العالم من 4،4 بلايين نسمة سنة 1980 الى ما يتجاوز 2،6 بلايين نسمة سنة 2000، لتبيان حجم المشكلة خصوصا ان الزيادة تحصد ثلثيها البلدان النامية، وبالطبع دول الخليج العربية من ضمنهاِ
فعلى مستوى العالم العربي والذي يقع في مناطق جافة وشبه جافة ويحقق نموا سكانيا من اعلى المعدلات في العالم، فان اجمالي الموارد المتجددة والمتاحة فيه تقدر بنحو 265 بليون متر مكعب سنوياِ فاذا كان عدد سكان الدول العربية قدر بنحو 5،275 مليون نسمة عام 1996 فان نصيب الفرد من هذه الموارد يقدر بنحو 994 مترا مكعبا سنويا وخطورة الموقف هنا تتزايد على ضوء التزايد المطرد لعدد السكان في المنطقة العربية، الامر الذي سيؤدي الى تناقص هذا المعدل الى 464 مترا مكعبا سنة 2025ِ
الندرة والشح
ماذا تعني هذه الارقام في حال حدوثها؟
المعروف انه اذا قل نصيب الفرد عن 500 متر مكعب سنويا فان الوضع يوصف ‘بالفقر المائي’، اي ان الامن المائي غير متحقق، وهو بدوره يعيق كافة عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعيةِ
وعندما تتراجع حصة الفرد السنوية عن هذا المستوى تصبح المياه هما اساسيا في حياة الانسان وتبدأ في التأثير السلبي لكل ما من شأنه توفير مستلزمات الحياة وبكافة اوجههاِ
واذا ما اردنا ترجمة مصطلحات ‘الشح’ في المياه او ‘الندرة’ فيها، فان قراءة دراسة معهد ‘وورد لدواتش’ الاميركي التي نشرها في شهر يوليو لعام 1999، تعطينا ما نستدل به على تشخيص ‘الازمة’، فقد ارغم الاردن مثلا على استيراد 91% من احتياجاته من الحبوبِ بينما بلغت هذه النسبة 50% في المملكة العربية السعودية و40% في مصر وهذا ما دفع بالباحثة الاميركية، ساندرا بوستيل، مؤلفة كتاب ‘دعامة الحياة: هل يمكن ان تدوم معجزة الزراعة’ الى الدعوة لثورة زرقاء، لزيادة انتاجية المياه بمعدلات كبيرة مقترحة استخدام شبكات الري بالتنقيط لتوصيل المياه الى جذور النباتات مباشرة، وهذا ما سلكته بعض الدول الخليجية ومنها المملكة العربية السعودية والامارات وسبقتهما اسرائيل بسنواتِ
ولكي نضع المصطلحات في مواضعها الصحيحة لابد وان نذكر بان ‘الندرة’ في المياه، ليست فقط بسبب عوامل جغرافية ومناخية، بل ان قسما كبيرا يأتي بفعل الانسان، والذي يتمثل بزيادة السكان او باستخدامه المتعسف او بعدم مراعاته العدالة في التوزيع، لذلك وجد من يطالب بالعمل على امكانية التعايش مع هذه الندرة وان كان ذلك من باب التبسيط للمشكلةِ
ضحايا الندرة
احصاءات الامم المتحدة تعترف بوجود 4،1 بليون نسمة يعانون من حرمانهم من الماء القابل للشرب واذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فان عدد هؤلاء سوف يصل الى 4 بلايين نسمة، اي نصف عدد سكان البشرية الحالي، وتقرير المعهد الدولي لادارة المياه والذي نشر في منتصف عام 1999 وضع 17 دولة في عداد ضحايا ‘الندرة الكاملة للمياه’ حتى عام 2025 من بينها دول شرق اوسطية، في حين ان الامم المتحدة كانت اكثر تحديدا بتوصيفها، وشرحها لحالات العجز، والنقص القياسي المزمن ‘من المياه بالسنوات المقبلة، وان ليبيا ستحتل المرتبة الاولى بين الدول السبعة عشر، اذ لن تتجاوز كمية المياه المتوفرة سنويا لكل فرد فيها 31 مترا مكعباِ وستحتل الكويت المرتبة الثانية (47 مترا مكعبا للفرد في السنة) تليها قطر (58 مترا مكعبا) وستحتل البحرين المرتبة السابعة (96 مترا مكعبا) وسلطنة عمان المرتبة الحادية عشر (177 مترا مكعبا)ِِ
وهذه الارقام لا تختلف كثيرا عن الاحصاءات الصادرة من قلب المنطقة العربيةِ
وعليه فان مراجعة التقرير الاقتصادي العربي لعام 1998 الذي اورد ارقامه من قاعدة المقارنة بالوضع الحالي، والكلام يخص بلدان مجلس التعاون يكون اقرب الى الواقع منه الى المستقبل القريب، فهو يشير الى ان نصيب الفرد فيها سيتراجع من 296 مترا مكعبا عام 1996 الى 96 مترا مكعبا عام 2025 والامارات من 625 مترا مكعبا الى 32 مترا مكعبا وفي سلطنة عمان من 877 مترا مكعبا الى 206 امتار مكعبة وفي قطر من 61 مترا مكعبا الى 14 مترا مكعبا وفي الكويت من 103 امتار مكعبة الى 44 مترا مكعباِ وفي حالة قياس واقع دول مجلس التعاون الخليجي لسنة 2000 وبحسب المفوضية الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا) فان حجم النقص والفائض بالمياه يتوزع على الشكل التالي:
عمان (لديها فائض يقدر ب 29 مليون متر مكعب) والكويت (لديها فائض ب 32 مليون) وقطر (لديها فائض ب 39 مليون) والبحرين (لديها فائض ب 114 مليون) اما الامارات والمملكة العربية السعودية فتصنفان مع الدول التي لديها نقص بحسب الارقام التالية: الامارات (347،1 مليون متر مكعب) والمملكة العربية السعودية (013،7 ملايين متر مكعب)ِ
ولا ندري بالتحديد مدى الدقة في تلك الارقام لكنها تبقى بالنهاية عبارة عن مؤشرات تقديرية تختلف بطريقة احتسابها بين باحث واخر او بين جهة واخرى، لكنها في النهاية عبارة عن رسائل تحذيرية، الهدف منها التحوط من مخاطرها في المستقبل والعمل على تداركها لكي لا نقع في المحظور فالشح في الموارد المائية ومحدوديتها، ليست ترفا ومواجهتها تتطلب قدرا من المسؤولية والاحاطة بكامل ملابساتها وحقائقها وظروفهاِ
مشاريع التحلية
واقع الحال يقول ان دول مجلس التعاون الخليجي لجأت الى مشاريع تحلية مياه البحر للمواطنين كخيار استراتيجي لتأمين مصدر دائم لامداد المياه الصالحة للشرب لاعتبارات عديدة، منها حجم الاستهلاك والطلب على المياه يفوق بكثير حجم الموارد المائية الجوفية المتاحة وبالتالي فان مياه التحلية تعتبر من اهم المصادر المائية العذبة غير الطبيعية لبلدان مجلس التعاون الخليجي، فقد احتلت المملكة العربية السعودية والكويت والامارات ثلاثة مراكز من المراكز الخمسة الاولى عالميا في مجال تحلية المياهِ
لكن يبقى السؤال مطروحا، هل مازالت مياه البحر والمحيطات التي تشكل نسبة 5،97% من المياه المتاحة للتحلية في العالم هي الحل الامثل على المدى البعيد؟
الدكتور محمود ابو زيد، رئيس المجلس العالمي للمياه يعتقد ان ‘تعذيب’ المياه المالحة، اي جعلها عذبة، سوف يظل على الدوام بديلا بلا حدودِ
انما ما يستدعي التأمل والدراسة، هو كلفته المالية الباهظة بعد ان اصبح قطاع ادارة المياه في منطقة الخليج العربي من اهم القطاعات الجاذبة للاستثمارات الاجنبية فقد قدر خبراء البنك الدولي تكلفة مشروعات التحلية المقررة من بلدان مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الخمس المقبلة بقيمة 5 بلايين دولارِ
وفي مقابل ذلك هناك من الخبراء من لا يشاطرون الدكتور ابو زيد تفاؤله، فريكاردو بيتريلا الاستاذ في الاقتصاد السياسي والعلوم السياسية بجامعة لوفان ببلجيكا يضع ‘سدين’ في هذا المنحى، الاول الحاجة الى كميات هائلة من الطاقة التي ستزيد من كمية ثاني اكسيد الكربون في الجو، الثاني التسبب بزيادة التلوثِ
مشاكل مشتركة
ومهما بلغت درجة التفاؤل والتحذير بشأن استخدام مياه البحر كمصدر من المصادر المائية العذبة، يبقى هناك جملة من المشاكل تشترك فيها بلدان مجلس التعاون الخليجي مع بقية الاقليم العربي والبلدان المعرضة للنقص المائي وهي تدخل ضمن المعوقات للاستخدام الامثل لموارد المياه وهي:
1 ـ تصاعد الهدر المائي (حجم الهدر الحاصل في الدول العربية يصل سنويا الى حوالي 155 بليون متر مكعب)ِ
2 ـ زيادة الطلب على استهلاك المياه للفرد واسرافه بالاستخدامِ
3 ـ تدني كفاءة القطاع الزراعي (نسبة الفاقد من المياه في الزراعة المروية حوالي 50%)ِ
4 ـ استمرار معدل الزيادة السكانية بما يزيد عن 3% سنوياِ
5 ـ ندرة المياه وتزامنها مع تصاعد كميات الفاقد من عمليات التسربِ
على ان الاستحقاق الاكبر لبلدان مجلس التعاون وللدول العربية في القرن المقبل يتمثل في القدرة على تحقيق التوازن بين ندرة الموارد المائية وبين تأمين الكفاية اللازمة التي تتطلبها حاجة هذه الدولِ
والاستحقاقات، قد تبدو الان ليست ذات شأن عند العامة من الناس لكنها ستفرض نفسها وبقوة في الاعوام المقبلة، وستأخذ شكلا من اشكال التسابق والتحدي خصوصا على صعيد مشاريع التحلية، وامكانية توفير بدائل لها، كاستخدام الطاقة الشمسية او غيرها او على صعيد قوانين السوق المفتوحة والذي تحكمه قواعد العرض والطلبِ
اسرائيل والتحلية
وقد يكون ما تفعله اسرائيل حاليا هو اقرب مثال على ذلك التحدي، فقد اشارت وكالات الانباء الاجنبية الى انها ستقيم محطة لتحلية 50 مليون متر مكعب من مياه البحر سنويا في رفح وعلى الحدود بين مصر وقطاع غزة، وهذه المحطة ستكون واحدة من اربع محطات لتحلية مياه البحر باستخدام تكنولوجيات متطورة، تهدف الى توفير احتياجات مستقبلية لسكان فلسطين واسرائيل والاردن معاِ
وفي هذا المجال يذكر الكاتب المصري محمد سيد احمد في مقابلة نشرت له بمجلة التقدم العلمي التي تصدر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، في صيف هذا العام، ان التجارب التي اجريت مؤخرا في كاليفورنيا وبالتعاون مع معهد ‘تخنيتون’ الاسرائيلي انها استطاعت تخفيض سعر تحلية مياه البحر من 5،1 دولار الى 60 سنتا للمتر المكعب، وهذا المشروع سوف يتم انجازه خلال عشر سنوات في الوقت الذي يكون شح المياه قد بلغ مداه في المنطقة العربية، ‘لتبدأ عمليات الهرولة باتجاه اسرائيل مرة اخرى’ على حد تعبيرهِ
هذا الواقع الذي سيفرض نفسه على الدول التي تقترب من حافة ‘الفقر المائي’، سوف يواجه بدعوات تحويل المياه الى سلعة اقتصادية، مثلها مثل النفط، يجري التعامل فيها بأسعار محددة ومن خلال بورصات دولية وانشاء بنوك للمياه وكذلك تسعيرها وفق ‘مزادات’ مفتوحة على الاسعار! وهي حالة غير مسبوقة في العلاقات المائية الدوليةِ

 

بلدان مجلس التعاون الخليجي - السياسة المائية / المياه - بلدان مجلس التعاون الخليجي / التحلية - بلدان مجلس التعاون الخليجي / المياه - البلدان العربية / التحلية - إسرائيل / الزباري، وليد خليل / بلدان مجلس التعاون الخليجي - الظروف الإقتصادية

تعليقات

Facebook
Twitter

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *