حمزة عليان:
جلست مع صديق له معرفة واسعة بالماسونيين والحركة الماسونية، استمعت إليه، حاورته فيما يعرف، ووقفت منه على أسماء وصلات لماسونيين عرب، كان أحدهم يحمل رتبة عالية (القطب الأعظم)، وكانت غرف بيته مغلقة لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها، لكونها «محفلاً سرياً» يجتمع فيه المريدون بعاصمة عربية. سألني عن تجربتي مع الماسونية والكتاب الذي أصدرته عنهم في ثمانينيات القرن الماضي، وتبادلنا الأفكار، وراحت الأسئلة تدور في ذهني عن علاقة بعض الحكام مع الماسونية، ومنها دور الكنيسة بهذه الحركة، وعلاقة اليهود والصهاينة بهم ومن يستخدم أو يوظف الآخر، وكيف هي صلة أندية الليونز والروتاري بالماسونية، وما هو الفكر الذي يعتنقونه؟ لا تزال الماسونية منذ نشأتها على يد «البنائين الأحرار» تحمل الكثير من علامات الاستفهام، وهل حقيقة أنها ضد الأديان السماوية، أم تستغل الدين للوصول إلى أهدافها؟ لا شك في أنها دخلت عالم السياسة والمافيات المنظمة، خصوصاً في إيطاليا وأوروبا، إنما من انتسب إليها من السياسيين العرب أخفوا هذا الانتماء. انضمت الماسونية إلى الحكومات الخفية التي تحكم العالم وتديره، وهي ظاهرة ليس من السهل التعرّف عليها، فهناك شبكة من المصالح والمتنفذين تمسك بها مجموعات تتحكم بها، ترسم مشاريعها بدقة من دون أن تعلن عن نفسها. البعض أعطى للماسونية أدواراً مخيفة في عالم السياسة والسلاح والتجارة والاحتكار، كلما نشطت جماعة أو دولة تجد من يربط صعودها بالماسونية، نظراً لما تملكه من قوة المال والسيطرة الاقتصادية، لاسيما صناعة السلاح والأدوية. الظواهر الخفية غالباً ما تثير الفضول عند الباحث وعلماء الاجتماع الذين تناولوها وقاموا بتشريحها وتشخيصها، وربما تبعوها بمعجزات غير متوقعة حدثت بالعالم في القرن الحادي والعشرين. لذلك يعمد البعض إلى تصوير نجوم مشهورة وزعماء سياسيين على أنهم ماسونيون، وبالتالي تخويف عامة الناس بأنهم مدعومون من حركات مخيفة وقوية لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها. لم أصدق إحدى الروايات حول دور الماسونية وتأثيرها على نظام الحكم في بلد عربي وعلى تطور الحياة السياسية فيه… فما ينشر ويقال يجعل المرء في حيرة من أمره، كيف يصدق تلك الأقوال في الوقت الذي يتحدثون عن حركة هدّامة وسريّة؟! أكثر الأفلام والمسلسلات الوثائقية مشاهدة لدى الجمهور تلك التي تحكي وتفضح وتروي تاريخ الماسونية وأفعالها. حدثتني مؤرخة لبنانية عن توقعاتها ورصد ما قد يحدث في إيران من تغيّر في النهج والسياسة، وهذا ما يشجعها على اتباع نهج قراءة ما وراء الحدث، فقد لا يكون الأمر مستبعداً أن تبدأ المراجعة من داخل إيران، وعندها سترى تغيير المعادلات في المنطقة بشكل مختلف ولديها أسبابها… وهذا النوع من القراءات أقرب إلى مفهوم نظرية «البجعة السوداء»، التي تعني صعوبة التنبؤ بالأحداث المفاجئة، فالبجع كله أبيض، أما وجود البجع الأسود فهو نادر ومفاجئ! لا أدري لماذا ذهب عقلي للربط بين «البجعة السوداء» والماسونية، فقد يكون الغموض والتوقع المفاجئ هو العنصر المشترك… والله أعلم!