حمزة عليان
استهوتني السيجارة وأنا في عمر الشباب، خاصة في المرحلة الجامعية، عندما كنا نتباهى أمام زملائنا بسجائر يعني أن مدخنها محسوب على اليسار والشيوعيين بشكل عام.
انتهت تلك المرحلة بدخولي سن الرجولة، عندما التجأت إلى تدخين نوعين من السجائر.
بقيت معي تلك العادة واستحكمت بي وبمزاجي وحياتي اليومية إلى أن أصبحت عادة مستحكمة بسلوكياتي كالعادة، مع فناجين القهوة الملازمة لي في العمل، وأحيانا كثيرة قبل شرب الماء والفطور الصباحي !
كانت بيئة العمل مشجعة على التدخين فمعظم الزملاء مدمنون على السجائر، ويكاد أن يخلو مبنى الصحيفة من غير المدخنين، حتى أن الروائح المنبعثة من الجسم والفم والثياب لم تعد مصدر نفور أو ابتعاد.
مرت الأيام وإذ بي ذات يوم وأنا في الأربعينيات من العمر منجذب لقراءة تحقيق صحفي عن افتتاح عيادة لمحاربة التدخين وفيها شرح واف ومشجع مع صورة للرئتين قبل التوقف وبعده.
خضت أول تجربة في حياتي للتوقف عن التدخين وذهبت إلى تلك العيادة وشاهدت ما لم أكن أتخيله يوماً ما، لكنني بعد شهر عدت إلى سيرتي الأولى وندمت على ذلك.
لم أصل إلى مرحلة الإدمان، لكنني كنت ملتصقاً بها، ولم تفارقني إلى أن كانت فترة الغزو العراقي للكويت عام 1990 وبقائي وحيداً بعد العام 1991 دون عائلتي التي بقيت في بيروت مع أولادي..
في هذه الفترة تعرفت على أصدقاء جدد يمارسون الرياضة اليومية والسباحة في فصل الشتاء وكانوا عوناً لي على ترك التدخين .
صباح ذات يوم صحوت مبكراً على غير العادة وأنا أعاني من البلغم والسعال، وقفت على البلكون ورفعت يداي إلى السماء وعادت نفسي وطلبت من الله أن يساعدني على أن أتوقف عن التدخين..
لمدة أسبوعين كنت أعاني، إلى درجة أن بعض الزملاء كانوا يضحكون على وضعي ويشفقون علي، متندرين مما أنا عليه.
في الأسبوع الثالث من «قرار تاريخي» بترك التدخين، بدأت أتعافى من الصدمة، اكتشفت مع مرور الأيام أنني كنت أعيش حالة من الوهم، لم أكتشفها إلا بعد فترة من الزمن.. أستعدت الثقة بنفسي، لأن الإنسان إذا امتلك الوعي واتخذ القرار الصعب فلا شيء يمنعه، وسيعرف مع الوقت أن المسألة يمكن أن تنسحب على باقي أمور حياته الخاصة والعامة..
كم هي المسألة بسيطة وتافهة، وكم هي عظيمة في آن واحد، أن تتخذ القرار الصعب في حياتك وتهجر السيجارة وبلاويها وتحافظ على صحتك ورائحة جسمك ونظافته من السموم التي قد تودي بك إلى التهلكة.
مضى على تركي التدخين نحو 30 سنة، هي الفترة التي قضاها الصديق والزميل الأستاذ محمد داودية منغمساً بالسيجارة. اليوم لسان حالي يقول، كذبة كبيرة عايشتها اسمها السيجارة. لا شيء أجمل من أن أكون حراً وسعيداً وجسمي خالٍ من السموم.
دع السيجارة ومعها الأرجيلة، وأبدأ حياتك من جديد.
* باحث وإعلامي لبناني مقيم في الكويت