حمزة عليان:
من غير المنطقي أن ننفي عن الكيان الإسرائيلي الجنوح في التوسع، فتاريخه حافل بالسرديات الدينية التي تحفزه على قضم أراض ومساحات ودول عربية في سبيل هدف استراتيجي وديني مقدس لديه، لكن هل موازين القوى والمعطيات على الأرض والمعادلات الدولية القائمة تسمح بذلك؟ ومن يملك القوة لتغيير شكل وحدود العالم العربي اليوم؟ هل نحن أمام «سايكس بيكو» جديدة؟ قد يكون البديل أسوأ من ذلك، ليس لأن منطقتنا العربية حبلى بنماذج «الدولة الهشة» أو «الفاشلة» بل لأن ما وصلت إليه الساحة العربية من ضياع وتفكك وشرذمة تجاه الصراع مع إسرائيل، وبعد «طوفان الأقصى»، و«الجنوب اللبناني» أضف إليه «سورية المستباحة» وبعض شقيقاتها العربيات التي سقطت في المستنقع، يوصلنا إلى قناعة بأن نتائج «الحروب الصغيرة» والانزلاق إلى حافة «الحرب الواسعة» ستحدد من المنتصر، وهذا يجعلنا على مسافة قريبة جداً من إعادة رسم الخرائط الجغرافية، واستحضار فكرة التقسيمات وتوزيع الغنائم العثمانية على فرنسا وإنكلترا بعد الحرب العالمية الأولى وما تلاها. هناك تيار واسع يؤمن بأن «الكيان الإسرائيلي» بات مؤهلاً للقيام بهذا الدور أكثر من أي طرف آخر، ربما كان مصطلح «الشرق الأسط الجديد» هو الوجه الآخر لسايكس بيكو الجديدة، وهذا ما كانت الماكينة الإسرائيلية الدعائية ومازالت تعمل على إذكائه، ونفخ النار فيه كلما سنحت الفرصة أو دنت لحظات الاستحقاق الكبرى. إسرائيل مازالت تحظى «كدولة» بدعم ورعاية غربية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وفي المدى المنظور وأمامنا على الأقل ربع قرن هو العمر الاقتراضي الباقي من عمر الإمبراطورية الأميركية كدولة عظمى، بعدها قد نشهد بداية السقوط بالرغم من أن من يراهن على انهيار أميركا اقتصاديا في هذا العمر الافتراضي كمن يحكي في الهواء. لذلك ونتيجة لحرب غزة والحرب على الجبهة اللبنانية وحالة «الرخاوة» في المحيط الجغرافي لإسرائيل وحتى العمق العربي الذي استدار تماماً نحو «عدو جديد» جعل من إسرائيل القوة الضاربة والعميقة والمتفردة، يصبح السؤال مشروعاً: هل إسرائيل تستطيع أن تقوم بهذا الدور أم بالشراكة مع أميركا لتقسيم الحدود ورسم حدود جديدة «لإسرائيل الكبرى» وإلحاق دول بأخرى أو اقتطاع أجزاء من هذه الدولة أو تلك؟ من غير المنطقي أن ننفي عن الكيان الإسرائيلي هذا الجنوح في التوسع، فتاريخه حافل بالسرديات الدينية التي تحفزه على قضم أراض ومساحات ودول عربية في سبيل هدف استراتيجي وديني مقدس لديه، لكن هل موازين القوى والمعطيات على الأرض والمعادلات الدولية القائمة تسمح بذلك؟ ومن يملك القوة لتغيير شكل وحدود العالم العربي اليوم؟ ومن باستطاعته وضع خريطة جغرافية جديدة على غرار ما قامت به فرنسا وإنكلترا عام 1916؟ سفير أميركا السابق في السعودية «شاس فريدمان» اعترف بحديث جرى قبل أسبوعين «أن الأيديولوجية الدينية للمتشددين اليهود توجب على إسرائيل التوسع خارج فلسطين لتهيمن على دول أخرى في الشرق الأوسط». باختصار «إسرائيل الكبرى» على الطريق طالما بقي الكيان هو «القوة العظمى» في المنطقة، فهل هذه حقيقة قد نراها أم مجرد تخيلات وسيناريوهات وهمية؟ *** أفضل ما قرأت عن اتفاقية «سايكس بيكو»، كتاب الدبلوماسي اللبناني الصديق الدكتور بسام النعماني سفير لبنان السابق في الكويت وعنوانه «مئة عام على الاتفاقية… قراءة في الخرائط».