حمزة عليان:
سمعت خبراء ومهتمين يقولون إن ما أعلنه «ترامب العظيم» من قرارات ستكون أضرارها أكثر على الداخل الأميركي، فهذه أحد إفرازات شعار «أميركا أولاً». كنت في شنغهاي يوم «الاثنين الأسود». حاولت استطلاع المزاج الصيني من تداعيات رسوم «ترامب العظيم» الجمركية. التقيت عدداً من المهتمين، وطالعت الصحف الصادرة هذا اليوم، بمساعدة مترجم يجيد اللغة العربية. راقبت بورصة شنغهاي، باعتبارها تعكس حالة السوق المالية. خرجت بانطباع يشبه المبنى الواقع في الحي التجاري وسط المدينة، حيث الإقبال على شراء أجهزة هواوي تماماً مثل أعداد المحبين لشراء أجهزة الآيفون. الصين لن تهتز، بل ستستمر في دعم العولمة، ولن تنتهي كما تُروِّج له ماكينة الدعاية الأميركية، بل هناك مَنْ يعلن بدء مرحلة جديدة من شأنها إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي السائد. أوضح رد كان على لسان وزير الخارجية الصيني، بقوله: «الولايات المتحدة تمارس الهيمنة باسم المساواة، وتخدم مصالحها فقط، ومستعدون للعمل مع كل الدول لدعم نظام تجاري متعدد الأطراف، والدفاع عن العدالة الدولية». شنغهاي اليوم تتحوَّل إلى ما يمكن تسميته بمدينة مستقبل العالم بصناعة التكنولوجيا، كما وصفها توماس فريدمان بعد زيارته لمجمع صناعات شركة هواوي للاختراعات والبحوث قبل أيام. الصين ماضية في بناء قوتها التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية. ليس بعيداً قول أحد الكُتاب الصينيين من أن أميركا هي التي أطلقت على نفسها رصاصة الرحمة بقُرب النهاية؟ الاقتراب من العقل الصيني يجعلك على مسافة قريبة من فهم المسار الذي تقوم عليه السياسة الخارجية والثوابت التي وضعتها للعلاقة مع أميركا، سواء بوجود ترامب أو غيره من الرؤساء… «أن تتعامل أميركا معنا على قدم المساواة والاحترام المتبادل، وهي قاعدة فرضتها بكين في مناسبات وأزمات متعددة». الخطاب الصيني يعكس صلابة الموقف، وهم ليسوا – أي الأميركان – أعلى شأناً منهم، لذلك… «لن نقبل أن يملوا علينا شروطهم، فالمعاملة بالمثل، ولا وصاية علينا». سمعت عدداً من الخبراء والمهتمين يقولون إن ما أعلنه «ترامب العظيم» من قرارات ستكون أضرارها أكثر على الداخل الأميركي، فهذه أحد إفرازات شعار «أميركا أولاً». وإن كانت عبارة «هذه حرب عالمية ثالثة» تتردَّد على الألسن. وفق قراءات خبراء معنيين بدراسة الشؤون الخليجية يعكسون وجهة نظر الصين يعتقدون أنها فرصة ثمينة للدفع قُدماً باتجاه شراكات وتحالفات بينها وبين العالم العربي، من أجل بناء توازنات في العلاقات الدولية، وعدم استفراد أي قوة عظمى منفردة بالاستحواذ على مقاليد التحكم في المسائل التي تمس استقلالية الدول وجعلها رهينة لها. ما أحدثته إدارة «ترامب العظيم» من تخريب في عالم التجارة والاقتصاد والانقلاب على قواعد العلاقات الدولية يستتبع تصويب التوجه نحو الغرب، وترك الساحة للاعب وحيد، لهذا سيكون الباب مفتوحاً، وبالاتجاهين، للتوجه شرقاً، وتثبيت عالم متعدد الأطراف. تلمس وأنت تحاور وتناقش مفكرين ونُخباً صينية لها معرفة بأحوال الخليج والعالم العربي مدى الحاجة إلى فتح حوارات وإنشاء قنوات تشاور تبدِّد المخاوف، وتُرسي قواعد واضحة وصلبة للوصول إلى تفاهمات ترسخ التوازن بالعلاقات الدولية، وتحمي مصالح الدول الصغيرة.