حمزة عليان:
هذه فرصة تاريخية لإحداث التغيير من الداخل؟ هل هذا متاح للمجتمع المدني في سورية تحديداً أم أن الرهان على ذلك ضرب من الخيال؟ يبدو أن العدوى أصابت العراق، حيث خرجت سبعة أحزاب منذ أسبوع تدعو لخريطة طريق للتغيير من الداخل بعيداً عن الإملاءات الخارجية، من خلال مرحلة انتقالية واضحة المعالم، تقودها النخب والكفاءات وبدعم من مؤسسات الدولة. إسقاط النظام البعثي الأسدي في سورية فتح الشهية لدى النخب وهيئات المجتمع المدني على اقتناص الفرصة للبدء ببلورة مشروعات من شأنها أن تحدث فرقاً بالبنى التحتية، أي على مستوى القاعدة في المجتمع. الناشط والصديق المهندس فريد عبدال يلتقط اللحظة المناسبة للقول إن هناك حاجة للتغيير السلمي والرائد في مجتمعاتنا، وليس في المجتمع السوري فقط، وأحد مسارات التغيير نظم البلديات، وهي منافذ مرتبطة بحياة الناس ومستوى معيشتهم، وتمس مصالحهم وحياتهم اليومية بشكل مباشر، ويطرح السؤال على الشكل التالي: إذا كانت الحروب لا تفضي إلا للدمار والقتل، فماذا بيد المدنيين أن يفعلوه خاصة أولئك الذين عايشوا أهوال الحرب؟ وبدلاً من تفشي القلق والإشاعات والحروب الإعلامية ومعارك من الفتن وإفساد ذات البين، وهدم التنوع المجتمعي بكل أطيافه، ربما تأتي الفرص من خلال ثقافة تتجه نحو تأكيد قيم البناء السليم من الجذور، في حين تتنازع القوى وتتصارع لفرض هيمنتها من الأعلى فقط… هذا الطرح هو خارج جهود الحرب والسلام من الأعلى أو المؤسسات الدولية، وهناك فرصة للمجتمعات التي تعيش الحرب ومناخها بأن تتجه نحو وحدتها وسيادتها وازدهارها من خلال تنظيم ذاتي لبلداتها وأريافها وقراها بواسطة مجالس بلدياتها المحلية، بحيث يتم وضع لوائح تجعل البلدية المحلية وحدة جغرافية لفسيفساء البلد بأكمله، أو تكوين جذوري يطول شجرة المجتمع. مجازا يظن أكثر الناس أن الدولة هي الحكومة أو السلطة التنفيذية فقط، في حين أن الكثير يجهلون أن الجهاز التشريعي والجهاز القضائي والمؤسسات المدنية والأهلية والقطاع الخاص وكل البنى الاجتماعية المتوسطة والصغيرة إلى الحي والجيران والأسرة والفرد هي بمجموعها تكون الدولة، وعندما تتغير حكومة أو تسقط فإنه لا يعني أن منظومات الدولة قد أصبحت قدسيات؟ تبقى البلدية كجسم موحد يجمع فسيفساء الجهاز التنفيذي بالشكل السليم والصحيح، وهي جهاز ضامن لجسم الوحدات التي بمجموعها يتلاحم البلد الواحد، والوضع المتين هو سلامة ومتانة جسم الدولة مهما تناوبت وتغيرت أشكال الحكومات التنفيذية سلما أو نزاعا، وفي ذلك تفاصيل كثيرة، وإن الأمن المحلّي والمرور هو من مهام البلديات المحليّة كذلك، فعندما تتشكل البلديات المحليّة بالتشاور والتحالف، والدعم والانتخاب والتزكية يكون جهاز الشرطة والأمن المحلي من مهام البلدية وتحت إدارة مجلسها وضمن مختاريها أو المحافظة التي هي كذلك وحدة جغرافية من فسيفساء الدولة لا الحكومة التنفيذية أو المركزية، التي لديها جهاز أمن وشرطة، ولها أدوات تتصل بها بأمن الدولة ككل والمباحث، وهي بدورها جميعا تعمل ضمن منظومة من توازن السلطات أو الفحص والموازنة مثل ما يحدث في النظم المالية النزيهة، حيث البائع لا يكون المحاسب والمحاسب لا يكون نفسه المدقق المالي بالبداهة، وعليه لا يعيّن شرطة أو عسكر من وزارة داخلية «الشرطة» تنبع من حكومة مركزية، بل دور البلدية المحلية تعيين مختاريها جهاز الشرطة المحلية الذي يتلقى توجيهاته ويحاسب من خلالها ويحفظ أمن البلد منها وفيها، كذلك هناك نظام محكمة بلدية مواز ويتدرج ضمن محاكم بلديات ومحافظات إلى محاكم الدولة، والكل يدار ضمن نظم الفحص والموازنة لمنعه من الفساد والاستبداد أو التجاوز والتعدي في السلطات. وعليه فإن الانتماءات الإثنية أو الحزبية أو الطائفية تقيد أو توازن وتخدم البلدة والجوار ولا تخدم الحزب أو الطائفة أو العرق، نظام وحقوق الجوار والإنسانية والوطنية تعزز وتضمن وتصبح الاختيارات الأخرى ألواناً خادمة للتنوع الثقافي والفكري والعرقي ومثرية بدلا من أن تدخل في التنافس السلبي أو الاستبداد وإفساد ذات البين والسلم الاجتماعي.