حمزة عليان:
بعد أن أعدنا قراءة «معركة الاختلاط» اليوم نطرح السؤال التالي: هل انتصر فيها دعاة الاختلاط كما انتهى به الاستنتاج، أم أن المعركة تحولت إلى سلاح بيد جماعات الإسلام السياسي يلجؤون إليها كلما تناقصت شعبيتهم وشعروا بالحاجة إلى قضية أخلاقية من شأنها إمساك الجمهور المؤيد لهم؟ ذهبت بصحبة الصديق الدكتور فلاح المديرس إلى مكتبة البابطين في اليوم العالمي للكتاب، وكم كنت محظوظاً بالعثور على مجموعة من الكتب التي أعتبرها ثمينة، ومنها كتاب للدكتور محمد جواد رضا «بربع دينار» حول معركة الاختلاط في الكويت والصادر عن دار الربيعان. خمسة عشر عاماً أمضاها الدكتور جواد في الكويت، انضم إلى الجامعة بعد ثلاث سنوات من تأسيسها، ساهم بعمل نظام المقررات عام 1974 وتولى منصب عمادة كلية الآداب والتربية. استمتعت بقراءة «معركة الاختلاط» كما أسماها، التي وقعت عام 1971 في جامعة الكويت، ومن منظور علم الاجتماع وبعد أن وضعها تحت مجهر «النظر العلمي». قطبا المعركة هما الاتحاد الوطني لطلبة الكويت، وجمعية الإصلاح الاجتماعي، وكما رآهما فإن الطرفين لم يكونا معسكرين متعاديين بل أدوات للتاريخ في تحقيق التبدل الاجتماعي الذي شهدته الكويت. وعندما نضع هذه الدراسة اليوم ونعيد قراءتها، نطرح السؤال التالي: هل انتصر فيها دعاة الاختلاط كما انتهى به الاستنتاج، أم أن المعركة تحولت إلى سلاح بيد جماعات الإسلام السياسي يلجؤون إليها كلما تناقصت شعبيتهم وشعروا بالحاجة إلى قضية أخلاقية من شأنها إمساك الجمهور المؤيد لهم؟ هل تم التعلم من دروس مشكلة الاختلاط عام 1971؟ بالطبع لا، فما زالت المسألة قابلة للاستثمار السياسي والديني، ولم تحسم، بل كانت تخرج إلى العلن بين الحين والآخر. يطالع الدكتور جواد نتائج معركة الاختلاط على الأرض بعد مضي 12 عاماً من حدوثها، أي عام 1982 ليقول إنه لم يبق من «عدم الاختلاط» إلا شريحة ضئيلة من الدروس تعطى في مبنى اسمه كلية البنات في كيفان، حتى اسم الكلية فقد معناه، مستشهداً بمقابلة عميدة الكلية آنذاك الدكتورة أمل العذبي الصباح لجريدة «الوطن». وصل به التفاؤل إلى صياغة سؤال جديد بنى عليه قراءته واستنتاجاته، «لو لم تقع معركة الاختلاط لما أتيح لشعب الكويت أن يكسب هذه المعرفة الثمينة، ولما تبيّن للناس أن أخلاق بناتهم وأبنائهم ليست من الوهن أو الركة بحيث يهددها محض جلوسهم مجتمعين على مقاعد العلم وبين أيدي أساتذة الجامعة ومسؤوليها». يصل به الأمل إلى أن هذه «المعركة» لم تكن بلا معنى، لأن المجتمع الكويتي عرف بصدق وخبرة، مع من كان الحق، لأن الوقوف في وجه حركة التبدل الاجتماعي، جهد باطل وطاقة مبددة، ووقت مهدور، وتعويق باهظ الكلفة في حياة الشعوب. الحقيقة كان بودي أن أشارك في جرعة التفاؤل التي انتهى إليها الدكتور جواد، لأن المجتمع ما زال يدفع الثمن، وتحت شعارات مسيئة ألبسوها ثياب الدين، ولا علاقة لها بالعلم والوعي والشراكة بين الجنسين ومحاربة الانحلال والتفسخ.