ربع قرن في مسيرة عطاء جاسم المطوع. اسلوبه راشد واختلافه عاقل وحجته مقنعة

  الكاتب:حمزة عليان

علاقته مع ‘اليسار’ بدأت بحصة التربية البدنية

فاصل زمني يمتد الى سنوات، وكان في حينها رئيسا للتحرير، كتب كلمة بحق صديق له فارق الحياة هو احمد الدعيج، بث فيها شيئا من وجدانه تجاهه وكأنه يتحدث فيها عن نفسه.

يقول ‘رغم ايماننا بمشيئة الله وقدره، وايماننا بان الموت يسكن معنا ولا يفصلنا عنه فاصل، الا اننا نضعف احيانا ونحاول تكذيب هذه الحقائق خاصة اذا كانت تربطنا مع الآخرين علاقة حميمة ورابطة متصلة’.

هكذا هو جاسم المطوع، بايمانه وبشخصه وبمواقفه محبا لمهنته وللناس ايضا، تلك المهنة التي وجد نفسه فيها، مدركا لحقيقة واحدة، هي ماذا يضيف اليها من جديد، مرددا قول الشاعر:

لا يعرف الشوق الا من يكابده

ولا الصبابة الا من يعانيها

جاسم محمد سليمان المطوع، الذي رحل عنا عن عمر يناهز السابعة والخمسين، دخل العمل الصحفي عام 1975 كمدير تحرير صحيفة ‘الوطن’، ثم تسلم رئاسة التحرير منذ عام 1979 ولغاية الشهر الثالث من عام 1997، بعدما انتقلت رئاسة التحرير الى الزميل محمد عبدالقادر الجاسم.

حظي الراحل بتقدير خاص من الاسرة الصحفية لما تمتع به من خبرة ودماثة خلق جعلته موضع احترام جميع الذين عاصروه وعرفوه.

عن تلك المرحلة وما تعرض اليها من مواقف نستحضر بعضا مما نشره في صحيفة ‘الوطن’ علها تكون الصورة الاوضح، لسيرته وعطائه.

رئاسة ‘الهدف’

عام 1976 اسند اليه الاستاذ محمد مساعد الصالح رئاسة تحرير ‘الهدف’ لتخرج بحلة جديدة، اعتبرها دينا في عنقه ولكل من اسهم بلمساته وانفاسه في اخراجها، بعد شكره لله اولا واخيرا الذي ‘جعل العمل في قلوب العاملين فريضة مستحبة’.

اليسار واليمين

ادرك منذ البداية ان المسؤولية الصحفية هي امانة الكلمة، اي ان يكون الانسان امينا على ما يكتب، لذلك لم يلجأ لاسلوب ‘التخفي’ عن انتماءاته ولا عن مواقفه، ففي شهر اكتوبر من عام 1976 روى قصة واقعية عن طفولته وعلاقته ‘باليسار’ و’اليمين’، ومما قاله في هذا الشأن ان علاقته ‘باليسار’ علاقة حميمة ارتبطت به منذ العصر، عندما كان في المدرسة يمارس حصة الرياضة البدنية وحبه للاستاذ الذي كان يطلق كلمة ‘يسار راح’ ومن وقتها صارت من الكلمات المفضلة لديه، الى ان توطدت علاقته باليسار وبدأ باستعمال يده اليسرى في تصريف اعماله وشؤونه في حين بقيت اليمين لا حول لها ولا قوة، وابتعدت ‘اليمين’ عن تحمل الاعباء والمسؤوليات ولم يبق منها سوى حمل الطعام الى الفم عند الحاجة، وانهى روايته تلك بتساؤله، ‘هل تتحمل اليمين امانة المسؤولية ام ان ‘اليسار راح’ ستنقلب الى ‘يمين تعال’!

من يعرف الحقيقة؟

لم ينظر الى الصحافة، كمهنة فقط، بل كممارسة، وهي قبل هذا وذاك امانة، يجب ان يتحلى صاحبها بكل صفات الامين، لانها سلاح ذو حدين، لذلك لم يدخل جاسم المطوع في مهاترات صحفية لايمانه بان هناك في هذا المجتمع من يعرفون الحقيقة ويعايشونها.

والصحافة من هذا المنظور جعلته يتقيد بحدود لا يجوز المساس بها او الاساءة اليها كقضايا الدين والاخلاق والقضايا الشخصية التي تمس الافراد، خاصة وان ليس كل ما يعرف يقال، لانه يتعرف مع تلك الامور، كالجندي الذي يؤتمن على اسرار عمله.

مواقف في الحريات

وفي الفترة التي مارس فيها دورة كرئيس للتحرير، لم يحد يوما عن مسلمات اعتقد بها ودافع عنها، ففي موضوع الحريات والدفاع عن الصحافة كانت له مواقف واقوال سطرها من خلال مقالات نشرت باسمه، فعنده ان ما يبقى في الصحافة الكويتية، هو جانب الالتزام، والصدق، والموضوعية، وان ما يثار بين الحين والآخر عن سلبيات في جسم هذا القطاع والتركيز عليه، ما هو الا نوع من الالتفاف على الحريات وعدم رؤية الجوانب الايجابية، وكأن السلبيات، صارت مثل قميص عثمان.

الرقابة

ففي موضوع الرقابة والرقيب كتبب اكثر من مرة، متسائلا، هل الكتابة في المواضيع الرياضية يزعزع الوحدة الوطنية ام ان نشر الصور الشخصية هو الآخر ضرب من العبث بها؟

وهل وحدتنا من الضعف لدرجة ان خبرا صغيرا تسهم في زعزعتها؟ فاذا كان الرقيب باقيا لتنقية الصحافة من الشوائب وانه سيظل يحذف كل ما يزعزع او يضعف وحدتنا الوطنية، فانني ارجو ان يكون رقيبا عادلا ومحايدا وليس هو الخصم والحكم في آن معا.

وكم من افتتاحية ورأي قالها بشأن المادة 35 مكرر والتي يعتقد ان الغرض من اعمالها هو اضعاف الصحافة المحلية وجعلها مجرد ديكور كي تتماشى تماما مع الشكل الجديد لمجلس الامة الذي افرغ من محتواه بعد ان احتوته الحكومةِِ وكان الله بالسر عليما.

حدود الاختلاف بالرأي

خاض معارك القلم، مع من يختلفون معه بالرأي والطرح، وكان في خلافه عاقلا وفي اسلوبه راشدا، وبحججه مقنعا.

ولعل قراءة الحوار الذي نشر على صفحات الوطن في شهر ديسمبر عام 1984 مع ‘قوى دينية’، يعطي نموذجا، لمستوى الحوار وحدود الاختلاف بالرأي حيث ينهي ردوده التي كانت عنوان ‘ان اريد الا الاصلاح’ بقوله ‘ارجو الله العلي القدير ان لا يكون خلافنا سببا في اختراقنا، وادعو الله لي ولك ان يظلنا بظله يوم لا ظل الا ظله، على حبه نجتمع وعلى حبه نفترق’.

علاقة

لا تنفصم

بقي حتى آخر مراحل عمره، تربطه علاقة حميمة لا تنفصل عن الصحافة والتي لا تبخل على من يعطيها، ويشبه الصحافي بالطبيب الذي عليه التجديد الدائم، فالعلاقة فصام لا ينقطع وهو بذلك لا يشيخ ويستمر بالعطاء.

وتبقى الصحافة في مفهومه وتجربته اقرب الى الجسد الذي نزرع فيه عضوا جديدا، فان قرار قبول او رفض هذا العضو الجديد بيد الجسد نفسه.

فقد كان جاسم المطوع عضوا في هذا الجسد حتى آخر ايامه، عندما، غادر ‘الوطن’ الى الولايات المتحدة الاميركية للعلاج، على نفقة سمو امير البلاد في الشهر التاسع من عام 1999.

شغل ‘ابو محمد’، عضوية جمعية الصحافيين الكويتية وعضوية مجلس ادارة وكالة الانباء الكويتية وفي عام 1997 اصبح نائبا لرئيس مجلس ادارة الوطن.

الوفيات - الكويت / الصحفيون - الكويت / الوطن (صحيفة) - الكويت / المطوع، جاسم محمد - السيرة الذاتية

تعليقات

Facebook
Twitter

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *