حمزة عليان :
في الكويت 70 ألف خادمة سريلانكية تقريباً من أصل 3 ملايين عاملة يتوزعن في عواصم بلدان الخليج العربي، هؤلاء يرفدن بلدهن بين 7 إلى 8 مليارات دولار سنوياً، أكثر من دخل قناة السويس، هذه الأموال تشكل مصدراً رئيسا للعملات الصعبة، وتأتي بعد السياحة التي عصفت بها جائحة كورونا وتسببت بخسائر فادحة.
سريلانكا اليوم تتحول إلى قائمة الدول الفاشلة، فسوء الإدارة على المستوى السياسي والاقتصادي أدى إلى سلسلة من الأزمات والكوارث منذ عام 2016 وإلى اليوم، لسنا بعيدين عن سريلانكا ففي معظم البيوت في الكويت هناك حالة طوارئ مالية، ما إن ينتهي الشهر حتى تتقدم منك عاملة إحدى المنازل وتطلب «قرضاً حسناً» تتعهد لك بتسديده من راتبها في الأشهر القادمة!
لقد استشعرت هذه العمالة المنزلية منذ أشهر انخفاضاً في عملتها الوطنية، لذلك لجأن إلى تحويل الدينار للعملة الأجنبية (الدولار) ومن ثم إيداع هذه الورقة الخضراء في حسابات بنكية بالدولار، فهناك شح كبير في العملة الأجنبية مما تسبب بعجز التجار عن تسديد وارداتهم.
الأحداث المتلاحقة التي شهدتها سريلانكا تشبه إلى حد كبير ما يحصل في لبنان ومنها:
– انقطاع مستمر للكهرباء يصل إلى 13 ساعة في اليوم.
– نقص حاد في المواد الغذائية والبلاد على حافة المجاعة.
– عدم توافر الوقود والغاز والمياه بحيث باتت الطوابير والانتظار لساعات للحصول على 5 ليترات من الديزل.
اشتعل الغضب في الشارع وتدحرجت موجات من التظاهرات وأعلنت حالة الطوارئ ونزل الجيش إلى الميدان لمواجهة الناس، ولم يبق في السلطة سوى الرئيس وأشقائه.
اليوم تعيش سريلانكا أسوأ أزمة اقتصادية منذ الاستقلال عام 1948 وفي بلد وصل تعداد السكان فيه إلى 22 مليون نسمة، يواجه مصيراً مجهولاً بسبب سوء الإدارة الحكومية.
موضوع العمالة المنزلية يبقى الوجه الآخر والماثل أمامنا لما تمر به وتعانيه سريلانكا، وقد نشهد حظرا كاملا لاستقدام الخدم بعدما توقفت وتراجعت أعدادها بالآلاف منذ السنة الثانية لجائحة كورونا والأرقام تتحدث عن عشرات الآلاف الذين عادوا إلى بلادهم خلال السنتين الماضيتين.
ما يحدث على صعيد العمالة أن الأموال التي يتم تحويلها أصبحت جزءاً مهما من اقتصاد هذه الدولة مثلها مثل الفلبين والهند ومصر، فهي مصدر دخل أساسي يضخ العملة الصعبة، وبالتالي أحد موارد الدولة التي تعتمد عليها في تقوية الاقتصاد وتعزيز حركة السياحة والتجارة.
إن أي اهتزاز اقتصادي أو سياسي في الدول المصدرة للعمالة والدول المستقبلة لها، سينعكس على استقرارها، وبالتالي على حجم التحويلات المالية وبالعملة الصعبة، وهو ما سيحدث اختلالاً كبيراً في الحالة الاقتصادية للدولة.
لم تكن سريلانكا استثناءً في محيطها أو على مستوى العالم، من تبعات كوفيد19 والذي ضرب أهم قطاعين رئيسين في الدولة وهما السياحة والعمالة المهاجرة، لكن مواجهة هذه الجائحة كشفت أوجه الخلل في الإدارة السياسية وهو ما أوصل البلاد إلى حافة الهاوية.
هل ستتأثر الكويت وبلدان الخليج العربي بما تشهده هذه الجزيرة الآسيوية؟ بالطبع نعم، فحجم الاستثمارات الخليجية يصل إلى المليارات وخط التجارة والاستيراد يعملان بالاتجاهين، فالشاي السيلاني والمجوهرات والأحجار الكريمة والفواكة أهم السلع التي تستوردها المنطقة، في حين تصدّر العمالة المنزلية بالدرجة الأولى إلى جانب استيرادها للوقود.
من ينقذ سريلانكا أو يقف إلى جانبها اليوم؟ وهل «وصفة» صندوق النقد الدولي قادرة على ذلك؟ أم أن المسألة مرتبطة بالسلطة الحاكمة التي أصبحت وحيدة في مواجهة الشارع والمعارضة؟ أسئلة تبقى رهنا بالتطورات والمفاجآت المنتظرة.