مثلما فشلت الأنظمة القومية في استيعاب الأقليات واندماجهم الكُلي بالمشروع العروبي، يبدو أن النظام السوري في مرحلة ما بعد الأسد سائر في هذا الاتجاه؟الحديث عن مصير ومشكلة الدروز والمسيحيين والعلويين والأكراد لا يتوقف، وهذا ملف شائك، لا ينحصر فقط في بلاد الشام، بل يمتد إلى المغرب العربي، الذي طغى عليه مشكلة الأمازيغ واليهود والقبلية حتى الآن، ووصل إلى السودان وليبيا.السؤال طرحه الزميل والكاتب سعد محيو في منتدى التكامل، الذي يُشرف عليه: لماذا بقيت التعددية الطائفية عصية عن الحل في الوطن العربي وطوال 60 عاماً من وجود أنظمة قومية في السُّلطة؟ وما مدى مسؤوليتها عن ذلك؟سورية اليوم، وبتقسيماتها الإثنية والعرقية، تتجاذبها أطراف إقليمية، على رأسها إسرائيل وتركيا، وفوقهم اللاعبان الاثنان الكبار، روسيا، وأميركا، وهم من يرسمون ويهندسون خريطة النظام القادم.غياب مشروع «الدولة – المواطنة» الحاضنة والضامنة لكل الطوائف يجعل من الأقليات ورقة ابتزاز ومساومة تلتقي فيها طموحات هذه المجموعات بالاستقلالية والهوية مع مشاريع الدول المحيطة جغرافياً، والطامحة إلى الفوز بتأثير ونفوذ عبر هذه الطائفة أو تلك.تخيلوا أن إسرائيل تقدِّم نفسها كحامية للدروز في سورية، وتضع خطوطاً حُمراً للقوى المنافسة وللنظام لحماية هذه الطائفة الكريمة والعروبية.كما حال الأكراد الذين ينشدون العزلة والفدرالية ليشعروا بالاطمئنان، يستقوون بـ «ترامب العظيم»، يناكفهم اللاعب الأكبر في سورية السيد أردوغان.فشل هذه الأنظمة القومية مسألة فيها اجتهاد ومدارس تنظير كثيرة بالتبرير. المهم اليوم أن مَنْ جاء ليحكم لم يقدِّم مشروعه الوطني الجامع، فالدلالات تقول إن الأوليغارشية، أي حُكم الأقلية – هنا تلبس الرداء الإسلامي – وتهميش المكونات والطوائف الأخرى هو القاسم المشترك.أقرب مثال على لون وهوية «النظام الجديد» تحفظات الدروز والأقليات على الدستور المقترح، والذي يجعل من «السيد الرئيس» قائداً إلى الأبد، ويكرِّس «البُعد الطائفي» في إدارة الدولة، ولا يفصل بين السُّلطات الثلاث.إرساء نظام سياسي يعتمد على النسب الديموغرافية لا يبني دولة مستدامة ومستقرة، وهذا ما يشرّع استئثار طائفة لديها أكثرية عددية بالسُّلطة المُطلقة، كما جاء في دراسة للصحافية كارين عبدالنور حول أوضاع السوريين الدروز في محافظة السويداء.انظروا إلى الدول التي انكشفت وتفسَّخت بعد أحداث الربيع العربي، في ليبيا واليمن والعراق، خريطة فسيفسائية أشبه بالجبنة السويسرية، ثقوبها كثيرة، وجسدها مترهل، طوائف وقبائل تتقاتل وتتناحر على مَنْ يستأثر بالسُّلطة والحُكم، وكل طائفة أو قبيلة تستقوي بأطراف خارجية تمدها بالمال والسلاح، وتؤمِّن لها الغطاء السياسي، والنتيجة مزيد من التقسيم والتشرذم وهدر الطاقات البشرية.الصراع الحقيقي لهذه الدول والمجتمعات يبدأ من الداخل، والإصلاح لا يختصر بإزاحة دكتاتور، والإتيان بعشرة دكتاتوريين! أو حتى دكتاتور جديد، بل بمشروع وطني حقيقي ببناء دولة جامعة وعادلة لكل مواطنيها فيها تداول للسُّلطة ومحاسبة من أعلى رأس إلى أصغر موظف، وحياة كريمة بعدالة اجتماعية وتكافؤ الفرص… أي خلق مواطن ولاؤه للدولة، وليس لغيرها.