معركة الفضائيات الخليجية مع الانظمة ام مع الشعوب؟

  الكاتب:حمزة عليان

  تاريخ نشر المقال:06/03/2000

نتساءل، هل اصبح الاعلام الخليجي الفضائي، بين قوسين، او الاعلام العربي، اكثر جرأة وصراحة في تناول قضاياه؟

ام ان تقلص هامش الحرية يمكن ان يؤدي به الى الاحتضار؟ وهل هناك اعلام عربي فضائي حقا في القرن الحادي والعشرين قادر على ان يقود المواجهة والمنافسة الى بر الامان؟

اقرب شاهد على هذه التساؤلات هو ما تثيره قناة ‘الجزيرة’ الفضائية تحديدا في قطر من جدل واعتراض، بين وقت وآخر، وما تقدمه من برامج ‘حوارية صريحة’ بعض الفضائيات العربية احيانا.

‘فالمشاكسة’ التي تمارسها هذه المحطة، لقضايا الحريات والخلافات السياسية اعتبرت الى وقت قريب من المحرمات التي يمنع الاقتراب منها.

وكانت مثالا صارخا على ‘الضيق’ الذي تسببه لاقرانها الخليجيين الذين يتهمونها بتجيير الحريات خدمة لاغراض في نفس يعقوب.

والواقع ان هذا الاعتراض لم يكن فقط من ‘اهل البيت الخليجي’ بل سبقته انتقادات حادة وصلت الى درجة الشتائم بين القائمين على ‘الجزيرة’ وبين صحافيين ومسؤولين اعلاميين عرب ادت الى اغلاق مكاتبها بسبب ‘تطاولها’ وانفلاتها غير العقلاني للقضايا التي تثيرها.

ومهما يمكن من امر تلك الاعتراضات فالواقع يشير الى ان تلك الصورة ما هي الا انعكاس للمناخ السياسي السائد في منطقتنا العربية الذي تعوزه الثقة المتبادلة وتكشف مدى هشاشة الحريات التي يتغنى بها البعض.

وربما يعود ذلك في جزء كبير منه الى ان وسائل الاعلام العربية، وتحديدا المحطات التلفزيونية والتي كانت مقتصرة على الجانب الحكومي، انها لم تعمل على اشراك المواطن العربي بقضاياه السياسية والاجتماعية وكانت رسالتها تنحصر فقط في التلقين المعلب والممل.

وربما ايضا يرجع الى اننا لم نعتد على اسلوب الحوارات والاختلاف بالرأي واحترامه، لكن السؤال الاساسي والملح والذي بات حديث المراقبين والمهتمين بالشأن الاعلامي، هو الى اين تسير هذه الفضائيات واي مستقبل ينتظرها في ظل هذا ‘الحصار’ السياسي والمنافسة القائمة؟

المشاهد ام الحكومة؟

محمد جاسم العلي، مدير محطة ‘الجزيرة’ يرى ان المحطات الفضائية امامها خياران، اما ان ترضي الحكومات، او ان ترضي المشاهد، وكأنه بذلك يضع هوة عميقة بين الطرفين اختار احداهما وتمترس في خندق المواجهة مع السلطة، دون ان يعي خطورة هذا التوجه ولكلاهما ثمن معروف!.

وعلى الرغم من حدية هذا الطرح يبدو مستقبل الفضائيات العربية والخليجية يسير على حد السيف، بين ان تخدم بالدرجة الاولى حرية المعلومة والخبر الصادق وتعميق مفهوم الحريات، وتتواءم مع التطورات التكنولوجية المذهلة التي تخطت الحدود العربية والغت الرقابة من الناحيتين السياسية والاجتماعيةِ وبين متطلبات السياسات الحكومية والتي تطالب (كما حصل في مؤتمر وزراء الاعلام الخليجي الذي عقد عام 1999) باتخاذ موقف موحد تجاه الافراد والمؤسسات الاعلامية التي تسيء لدول مجلس التعاون واستخدام ما لديها من علاقات لدى اي دولة او وسيلة اعلامية تحاول الاستفراد باي من الدول الاعضاء بالاساءة او التشهير، والتي لا تتوافق مع النهج العام الذي يسير باتجاه التعامل الحر للمعلومات.

من هنا تبدو صعوبة المعادلة التي تواجه تلك الفضائيات، بكيفية مخاطبة المشاهد العربي الذي يعاني من جوع سياسي مزمن نتيجة تغيبه عن مجرى الحياة السياسية ومشاركته بها وتقدم برامج حوارية وحضور فاعل في قلب الاحداث السياسية لارضائه واعادة الثقة اليه ولتلك المحطات، وفي الوقت نفسه المحافظة على استمراريتها وقدرتها على المنافسة تحت ‘سقف من الممنوعات’ رسمته الحكومات العربية، ليس من السهولة اختراقه وتحييده.

وهذا الامر سيزداد تأزما، اذا ما نظرنا الى ‘حجم’ تلك الفضائيات، حيث بات لكل دولة من دول الخليج العربي فضائيتها الخاصة، بل ان البعض اخذ اكثر من حجمه وحصته وزاد عدد فضائياته واتسعت قائمة المنتسبين الجدد اليه لتزيد قاعدة المشاهدين وتضاعف مداخيلها الاعلانية الى نحو 202 مليون دولار في السنة على المستوى العربي، فدول مجلس التعاون تمتلك ما يقرب من نصف القنوات الفضائية العربية، عدا عن القنوات ذات الانتماء العربي والتي انشئت باموال مستثمرين خليجيين.

مسايرة الانفتاح

ولعل الاشكالية هنا التي تواجه هذا ‘التمرد’ اذا صح التعبير من القيود الحكومية على بعض المحطات نابع من كونها جاء من القطاع الخاص معتمدة على المساعدات التي تقدما لها تلك الحكومات بغرض تأمين استمرار البث وتمويل البرامجِ هنا تجد من يعيد الموضوع الى بداياته، ويصيغ الاشكالية بمدى الحاجة الى تلك الفضائيات؟ هل كانت مؤقتة ام ذات اهداف بعيدة المدى وبمضمون سياسي واضح؟

المتابعون لمسيرة الفضائيات الخليجية والعربية يعتقدون ان الحاجة لتلك القنوات، مع استبعاد فكرة التعميم على الكل، جاءت نتيجة لمسايرة الانفتاح على المتغيرات الدولية خاصة مع تدفق المعلومات عبر المحطات الاجنبية واكثرها شهرة محطة سيِانِان الاميركية، التي احدثت صدمة للاعلام الفضائي العربي وعجلت بانشاء اكثر من 40 محطة عربية الانتماء والتمويل.

اي بمعنى آخر، انها كانت مضطرة للمواكبة، لتجد نفسها في معركة غير متكافئة افقدتها توازنها.

لقد بلغ الشطط بالبعض وشطح بفكره وخياله حد الباس هذه الفضائيات ثوبا ليس لها ورسم لها دورا خارج نطاق ‘الدور’ واعطاها بعدا لم تتهيأ له ولم تكن من ضمن اهدافه، فمخاطبة المشاهد العربي لم يكن بالاساس ضمن ‘الحسبة’ لذلك ينتفي السؤال عن دور تلك القنوات ‘بتحسين’ صورة العربي لدى الغرب، في حين ان المطلوب هو التصالح مع شعوب هذه الدول، وتضييق مساحة سوء الفهم بين السلطة الحاكمة العربية وبين المواطن العربي، بلغة واقعية، تأخذ من الفضائيات الاجنبية، شيئا من صورتها وبريقها ويعيد الثقة لها لتكسب المصداقية التي افتقدتها.

والحديث عن الدور والهوية للفضائيات العربية والخليجية هو حديث عن المنافسة الحامية وتكسير العظام التي اشتد اوارها مؤخرا وكانت عنوانا للعديد من الندوات والدراسات، فالتنافس في سوق مفتوح هو امر طبيعي ومطلوب، شرط ان يكون على حساب المضمون والمستوى واخلاقيات المهنية، لان البقاء سيكون للاكثر تأثيرا ونفوذا وليس للاكثر غوغائية ولان المعركة لا تقتصر على من ‘يربح اكثر’ او ينال حصة الاسد من الكعكة الاعلانية بل تندرج تحت عنوان ولادة جديدة لهوية عربية كما قال عنها ‘جون الترمان’، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى والتي تتطلب قدرا من الالتزام باصول التسابق وحدوده، حتى لا يخرج عن السيطرة وتكون نتائجه مزيدا من الخسائر المادية والتراجع والغياب عن الساحة الفضائية المفتوحة.

لنتخيل، ان هناك اكثر من 30 محطة فضائية اجنبية تسقط على منزلك وتقتحم خصوصيتك دون حاجة لموافقتك ولا للدولة التي تنتمي اليها، تغريك بعرضها وتأسرك انت واسرتك، لتجد نفسك معتقلا وربما مهزوما، بغياب الفضائيات العربية التي تعمل على التقليد والمحاكاة وتحت تأثير الانبهار بالعولمة، دون ان يكون لك ‘هوية’ وحضور يمكنك من التنافس وتحصين الذات من هذا الغول المتوحش القادم الينا من الخارج ِِ فايهما تختار؟

البث بواسطة الأقمار الصناعية - بلدان مجلس التعاون الخليجي / شبكة تلفزيون قناة الجزيرة - قطر / البث بواسطة الأقمار الصناعية - البلدان العربية / البلدان العربية - السياسة الإعلامية / حرية التعبير - البلدان العربية / العلي، محمد جاسم (إعلامي)

تعليقات

Facebook
Twitter

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *