قضية الأسبوع ِِِِِ مقارنة العمر الزمني للحكومات بين الكويت وشقيقاتها. أين الخطأِِ في الديموقراطية أم بمن يمارسها؟

  الكاتب:حمزة عليان

  المصدر: القبس الكويتية

  تاريخ نشر المقال:24/02/2001

في الأزمة الأخيرة التي عاشتها الكويت، جرى التركيز على فكرة قصر أعمار الحكومات، للدلالة على ‘عدم الاستقرار’.
والذين تعمدوا ترويج الفكرة، أرادوا ان يدعموا موقفهم بذكر رقم السنتين، وهو متوسط العمر للوزارات.
هؤلاء المتضررون، حاولوا أن يزرعوا في أذهان الناس، ان عدم استقرارهم عائد الى نوع النظام الذي اختاروه والديموقراطية التي التزاموا بها، وطالما كان الأمر كذلك، فعليهم ان يتحملوا نتائجه.
ليس من السهولة ولا من الحصافة، ان تشوه فكرة الديموقراطية بتلك الطريقة الخبيثة والمخادعة، فالاستقرار، بمعناه الواسع والمتعدد، سواء كان ببعده الاقتصادي أم ببعده السياسي، مرتبط بالنهج وبالممارسة والآليات التي يتبعها النظام بمؤسساته وليس بنوع الحكم، أي بالديموقراطية نفسها وما تفرزه من نتائج.
وبعبارة أوضح، اذا كانت هناك مشكلة صراعات سياسية داخل أي نظام ديموقراطي فالتعبير عن تلك الصراعات، غالبا ما يتم التنفيس عنها إما عبر استقالة الحكومات وتغييرها، وأما باعادة الانتخابات، وتلك حسنة او مظهر سياسي متقدم، تلجأ اليه الشعوب الديموقراطية، وبقنوات دستورية معروفة وواضحة، بعكس الحال في الانظمة المنغلقة.
وعلى مدى الاربعين عاما الماضية، وهو عمر الاستقلال، تناوبت على الكويت، مع الحكومة الاخيرة عشرون وزارة مختلفة تولت ادارة السلطة التنفيذية.
وإمعانا في التضليل الحسابي، امسك البعض بالقلم والمسطرة، والبعض الآخر بالآلة الحاسبةِ وبدأت عمليات الجمع والطرح والضرب، ليصلوا الى لعبة الحسابات والارقام، وهي لعبة تستهوي دعاة ‘أناِِِ أو لا أحد’.
فالى ماذا وصل هؤلاء؟ يقولون ان أطول الحكومات عمرا، هي حكومة فبراير 1971 والتي بلغت مدتها حوالي اربع سنوات، أما اقصرها عمرا فكانت حكومة ديسمبر 1964، والتي لم تعمر اكثر من 22 يوما؟ وما بين الاثنين بقي متوسط العمر، الذي لم يتجاوز السنتين.
وكان غايتهم اشاعة أجواء من الاحباط النفسي عند المواطنين وجعلهم كارهين للديموقراطية، والاقتراب اكثر نحو من يحكم بعيدا عن المشاركة السياسية والمساءلات النيابيةِ ومهما بلغ شأن النافخين في لهيب التفرد بالقرار، يبقى جوهر الموضوع قائما على انه لا يجوز ان نجعل من قصر اعمار الحكومات، شماعة او سببا نعلق عليه خطايانا ومشاكلنا.
صحيح أن العمر الزمني والتعديلات المصاحبة للوزارات، تعتبر من أساسات اكمال البرامج الحكومية والخطط الخمسية التي تتعهد بتنفيذها، وبالتالي يرتبط بقاؤها بمصير تلك البرامج، الا ان الأمانة تقتضي ابراز عدد من المعوقات التي حالت دون ان تأخذ الممارسة الديوقراطية حقها و’تبرئتها’ من تهمة التقصير او بالاحرى ضرورة مراجعة التجربةبهدف معرفة مكامن الخطأ ومكامن النجاح.
ربما بتلك الروحية أو الصيغة يمكننا العثور على وضع النقاط على الحروف، وتحديد ما نحتاج اليه، وفق العناوين التالية:
1 – الحاجة لوجود أحزاب سياسية مصرح لها ومعترف بها والتي من شأنها المساهمة بانضاج الممارسة السياسية في تشكيل الحكومات، عبر ايجاد اغلبية برلمانية في مؤسسة الحكم وبالتالي بضمان الاستقرار السياسي الى حد ما.
2 – ايجاد آلية واضحة ومتفق عليها تنظم موضوع طرح الثقة بالحكومة، حتى مع وجود المادة 102 من الدستور.
3 ـ خلق حالة من الانسجام داخل أقطاب الحكم والتي من شأنها تخفيف حدة الاستقطاب تجاه القوى السياسية ومراكز النفوذ في المجتمع وإدارات الدولة.
وحتى لا نعود الى سيرة الناعقين في وأد الديموقراطية، دعنا نطل على واقع الحكومات في الدول المحيطة، ونعني بها، دول مجلس التعاون الخليجي، لنستقرئ تاريخها واعمارها، ونتبين بالمقارنة، ما اذا كانت الكويت من اكثرها ‘استهلاكا’ للحكومات، أم ان للاستقرار الوزاري وجوها أخرى بحساب الربح والخسارة وتخضع للمبدأ القائل ان لكل ‘لعبة’ ثمنها ولكل نهج حساباته’.
ومن دون الشروع بتصنيف الحكومات وانواعها او الدخول في كيفية ممارسة السلطة، هناك اجماع على ان فكرة الديموقراطية هي من اكثر النظم التي نالت شرعيتها من خلال الامة، اي الشعب، وبواسطة الانتخاب.
وحتى لا تكون المقارنة مجحفة بحق الكويت من زاوية عمر الحكومات، فاننا نظن، ان غياب الديموقراطية او تغييبها لا يحل المشكلة.
ومع هذا لا بأس من الوقوف على تجارب الآخرين وهي المحيط الجغرافي الأقربِ
فالإمارات، مثلا، استهلكت ست حكومات منذ عام 1971، وطوال مدة ثلاثين سنة، اي ان معدل الاستقرار الحكومي فيها بلغ خمس سنواتِ وهو مستوى يعكس درجة عالية من الاستقرار الوزاري وان تعرض للتعديل.
اما البحرين، فقد عرفت بتاريخها السياسي منذ الاستقلال عام 1971 ثلاث حكومات على مدى ثلاثين سنة، وبمعدل عشر سنوات عمر كل حكومة، وهو رقم قياسي في تاريخ أعمار الحكوماتِ وفي قطرِ سجلت من تاريخ الاستقلال عام 1970 وطوال احدى وثلاثين سنة، ثلاث حكومات، بمعدل عمر الحكومة حوالي عشر سنوات.
حقا، فان المقارنة ‘ظالمة’ لأن الفرق بين تجارب ثلاث دول من مجلس التعاون وبين الكويت لا يمنحها اي افضلية او امتياز، بل يحرمها من اي علامة؟ هنا، يكون السؤال مطلوبا: اين الخطأ هل هو في الديموقراطية أم في من يمارسها؟ وهل الاستقرار عائد الى قصر اعمار الحكومات أم لاسباب أخرى؟
وهل تجربة اليابان مثلا، التي تتغير فيها الحكومات كل ستة اشهر تقريبا لا تتمتع باستقرار اقتصادي او سياسي مثلا؟
اسئلة تتطلب حقا، المراجعة والتفكر والدراسة، فمن يفعل؟

الديمقراطية / الكويت - الحكومات / الكويت - الظروف السياسية / الديمقراطية - الكويت / الإمارات العربية المتحدة - الحكومات / البحرين - الحكومات / قطر - الحكومات

تعليقات

Facebook
Twitter

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *