بحسب مؤشر مجتمع المعلومات، اختفى اسم الكويت بينما وضعت كل من الامارات والسعودية فقط من بلدان مجلس التعاون الخليجي ضمن التصنيفات المتدنية في القائمة التي تنشر بصفة دوريةِ وقد جاءت الامارات مع مجموعة الدول ‘العداءة’ وهي المرتبة ما قبل الأخيرة تلتها المملكة العربية السعودية ضمن الدول ‘المتمهلة’ أي، البطيئة.
اعتمد هذا المؤشر على عدة معايير، كشرط لاندماج أي دولة في عالم تكنولوجيا المعلومات وهو ما بات يعرف في وسائل الاعلام وباللغة السائدة، بالعولمة.
وحدها إسرائيل كانت مع الدول ‘المنطلقة’، وما عداها تم حشره في القائمة السفلى، أي في مجموعة الدول المتمهلة.
شروط العولمة
ما يعنينا في هذا الموضوع ليس فقط التصنيفات وان كان للمؤشرات مغزاهاِ بل، الابحار في فضاء الاسئلة المطروحة والمملة أحيانا: ما مستلزمات الدخول في العولمة وتحت أي شروط، والى أي مدى ستؤثر العولمة في هذه المجتمعات والدول التي مازالت تحبو باتجاهها؟.
حديثنا هنا ينحصر في مجموعة الدول التي تنتسب لمجلس التعاون الخليجي، وهذا بالطبع ينسحب على الدول العربية الأخرى، باعتبار ان الشروط واحدة.
هذه الدول وقعت على الوثيقة الختامية لجولة الاورغواي لعام 1995، وهذا يعني قبولها في منظمة التجارة العالمية كأعضاء، وبالتالي، يلزمها بجميع الاتفاقات البالغة 24 اتفاقا.
وكون هذه الدول تم قبولها كأعضاء، فهذا لا يعني ان دخولها العولمة اصبح سالكا ومفتوحا، فهناك قائمة من الشروط والوصايا، ان لم تنفذ وفي الوقت المحدد، فستدفع نتيجتها أثمانا سياسية واقتصادية، يصعب عليها تعويضها فيما بعد.
فمن مستلزمات الدخول في العولمة ما يلي:
1 – وضع انظمة وقوانين لمكافحة غسل الاموال والكشف عن مصادرها لمنع استخدامها في نشاطات اجرامية وإلاِِ.
2 – تحرير القطاع المالي وإعادة هيكلته وتأهيله لكي يسمح لأي دولة بحق المنافسة.
3 – الالتزام بقوانين حماية الملكية الفكرية بما يتلاءم مع قوانين منظمة التجارة العالمية وتعديل التشريعات المحلية بما يتلاءم ايضا مع نصوصها وقواعدها.
4 – التعهد باجراء التخفيضات بالتعرفة الجمركية.
5 – منع التمييز في المعاملة بين المنتج الوطني والمنتج المستورد ومراعاة الشروط الواردة في اتفاقيات الغات.
6 – تيسير حرية انتقال الخدمات المصرفية والسماح لكافة المؤسسات المالية والمصارف الاجنبية بفتح فروع لها في الدولة من دون قيود.
المنافسة الشرسة والحرة
بالطبع، تلك المستلزمات، التي أوردناها هي عبارة عن عناوين لقضايا وموضوعات وليست بنودا محددة تستوجب السرد أو التعداد.
واذا ما أردنا ترجمة ‘الشروط’ وفي أحسن الحالات ‘الوصايا’ الى أرض الواقع وحاولنا شرحها بلغة مبسطة، فهي تعني، ان على البلد المنتسب لمنظمة التجارة العالمية، بما هي تعبير عن العولمة، ان يفتح أسواقه امام حركة التجارة والسلع وبدون أية عوائق، ويتنازل عن افكار ‘سيادية’ سقطت مع هذا الانفتاح الكوني، لأن المسألة برمتها ستكون خاضعة الى مبدأ المنافسة الحرة والشرسة في الوقت نفسه، فالمنافسة هنا هي العنصر الحاسم، فيما سيحدد من هو الاقوى، ومن سيمتلك عناصر الانتاج والتسويق للسلعة.
معنى ذلك، ان من يتحكم ‘بالسوق العالمي’ هو من يمتلك عناصر القوة، وهو من يفرض شروطه.
لنأخذ مثلا ولنقس به مؤشر العولمة.
لو جاء بنك أجنبي وطلب رخصة للعمل في الكويت أو السعودية، ودخل في منافسات حامية مع البنوك المحلية، واستطاع بما يملك من امكانات بشرية وفنية ومالية ان يستحوذ على حصة كبيرة في السوق، فالنتيجة الطبيعية لهذه المنافسة ستكون افلاس عدد من البنوك المحلية، لماذا؟ لأنها لم تستطع المواجهة والمنافسةِ ولك أن تتخيل هذا الواقع على عدد آخر من القطاعات والمهن والمصير الذي ينتظرها، في لحظة الشروع بفتح الاسواق والالتزام بالشروط التي نصت عليها الاتفاقيات.
الخوف من المجهول
هنا يطرح سؤال آخر؟
هل باستطاعة ‘الدولة’ ان تبدد تلك المخاوف الشائعة وتعمل على حماية تلك القطاعات، أم أن الوقت سيكون متأخرا وتبدأ الضحايا بالتساقط، أم أن الوقت لم يفت بعد على تمكين وتحصين هذه المرافق والقطاعات سواء بحثها على الاندماج أم ببيع مرافق الدولة الى القطاع الخاص، كونه المؤهل لتلك ‘المنازلات’؟.
من الواضح، أنه لم يعد هناك من يجادل بضرورة الالتحاق بمنظمة التجارة العالمية والالتزام بشروطها كمدخل للعولمة، انما هناك شعور بالخوف من القادم المجهول عند الدول النامية والمحيط الخليجي والعربي بشكل خاص.
هذا الشعور مرده الى فقدان عناصر المنافسة والى الاخلال بشروط التنافس، مع القناعة بأن التأخير في الانتساب للسوق الحرة ولقواعدها، سيلحق بنا، أي بالدول الخليجية والعربية، ضررا فادحا.
هل البترول سلعة؟
خلاصة الأمر، اذا كان الهدف الاساسي من الانضمام للعولمة، عبر الشروط التي تحدثنا عنها، هو النفاذ الى أسواق باقي الدول وفتحها أمام السلع والتجارة الحرة، فان هذا سيخلق، بالتبعية لدى المجتمعات الخليجية، تحديات التوثب للمستقبل ويعطيها القدرة على تحقيق أحلامها، كما شاء ان يعبر عنها الدكتور علي الزميع وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية الأسبق في الكويت.
وقبل الاستطراد في هذا المنحى، هناك قضية تشغل الدول المنتجة والمصدرة للبترول وهي: هل البترول ومشتقاته، يدخل كسلعة من السلع في قائمة التجارة الدولية ويخضع للقواعد سالفة الذكر؟ وهل هناك نصوص واضحة تستثني مادة البترول من الاتفاقيات المعقودة؟ِِ من خلال الدراسات والأبحاث التي تناولت هذا الجانب، لم يعثر على نص واضح يستبعد البترول من أحكام التجارة الدولية.
وهذا يعني ان على الدول المنتجة لهذه المادة ان تدخل في حوارات ومساومات للوصول الى حل يحافظ على الثروة النفطية، كاحدى المصادر الطبيعية للدولة، واحتياجات السوق المفتوح، والا فسيكون لديها الحجة، أي الدول المصدرة، في المطالبة بالغاء الضرائب والرسوم التي تفرضها الدول المستوردة مثل ضريبة الكربون وضريبة الطاقة، تماشيا مع النصوص الواردة في الاتفاقيات التي تنص على الغاء الضرائب والرسوم تدريجيا على السلع والخدمات في ما بين الدول الاعضاء.
ربما كان هذا الامر يكتسب خصوصية لدى الدول الخليجية، كون النفط هو المورد الوحيد والأساسي لمصادر الدخل، من دون الاهتمام بالتجارة والصناعة والخدمات، وهو الثالوث المقدس، في التجارة الدولية، الذي تفتقده هذه المجتمعات.
تنازل عن السيادة
نعود الى السؤال: ما تأثير العولمة على المجتمعات والدول الخليجية؟.
الدبلوماسي ‘الخليجي’ والنشط في مجال الأبحاث والدراسات، الدكتور عبدالله بشارة، يعتقد ان مجتمعات الخليج العربي، تواجه هموم التعامل مع انحسار دولة الرفاه التي سادت المنطقة منذ اكتشاف النفط والتي أخذت بالتراجع مع بداية تفكيك منظومة الدولة الرعوية التي قامت على مفاهيم الغرف المالي الذي لا ينضب.
هذا الواقع أدى الى سعي تلك الدول الى تلبية شروط العولمة، كالدعوة الى الخصخصة، وجلب الاستثمارات الاجنبية، وعلاج هيكلية الاقتصاد والانفتاح التقني وما الى ذلك.
لكن هذا المسعى تم تفسيره من قبل البعض على أنه ‘تنازل’ عن السيادة ودور النظام الرعوي الكامل، وهو ما أوجد حالة من المناقشات والاعتراضات، عبر المنتديات الخليجية وفي أوساط الاقتصاديين بالدرجة الأولى.