حال منطقة الخليج العربي لعام 2000 بحسب التقرير الاستراتيجي الخليجي السنوي الذي تصدره صحيفة ‘الخليج’ الاماراتية للعام الثالث على التوالي، اشبه بلوحة حالمة وصافية تطوف بك باجواء من التفاؤل وتنقلك الى عوالم من النجاحات والتفاهمات على الصعد النفطية والامنية و’التعاونية’ والديموقراطية وبصورة وردية تكاد تخرج من الواقع الى عالم الخيال لو لم تكن شاهدا على ما حدثِ ويبدو ان هذا التفاؤل هو ما بنى عليه التقرير توقعاته لعام 2001 وهو خلاصة رصد وحصاد العام 2000.
فالنفط احتفظ بكل تألقه في ظل ارتفاع استثنائي لاسعاره وعائداته التي تجاوزت كل التوقعات بعد ان بلغ معدل سعر برميل النفط خلال ذلك العام 27 دولارا وهو اعلى سعر يحققه برميل النفط منذ عام 1985.
هذا الارتفاع في الاسعار ادى الى ارتفاع في العائدات حيث بلغ اجمالي عائدات الدول النفطية الخليجية حوالي 140 بليون دولار عام 2000 مقارنة ب70 بليونا عام 1999.
والامن حقق استقرارا مريحا، حيث كانت القوى الاقليمية الكبرى في مزاج تصالحي مع بعضها بعضا بيد ان التقرير سجل اهتماما روسيا مفاجئا بأمن الخليج وإن ظل الوجود الاميركي عامل اطمئنان للدول ‘الصغيرة’ التي ما زالت تعتقد انه الضمان الوحيد لأمن الخليج وان اي تغيير جوهري يعطي اشارات خاطئة لكل من العراق وايران.
وعلى الصعيد التعاوني فقد كان الخليج العربي في مزاج تعاوني ووفاقي، وهو السمة السائدة على مدار العام، كون التفاعلات الخليجية اكثر وضوحا واكثر كثافة من التفاعلات الصراعية، والاستثناء الوحيد لهذا الانفراج السياسي هو بقاء العلاقات بين الامارات وايران على الايقاع المتوتر نفسه بسبب اصرار طهران على احتلالها للجزر الثلاث.
اما على المستوى الديموقراطي فقد كان عاما سخيا اذ ان المنطقة ربما كانت على وشك الخروج من الركود الديموقراطي الذي طال اكثر مما ينبغي له ان يطول والدخول في مرحلة جديدة من اليقظة الديموقراطية على الصعيدين الشعبي والرسمي وجاءت اهم المبادرات الديموقراطية عام 2000 من البحرين بتشكيل مجلس للشورى واعلان ميثاق العمل الوطني.
كذلك الامر في علاقة الخليج بمحيطه العربي، حيث كان ايجابيا في حجم وعمق التفاعل مع الانتفاضة الفلسطينية واوضحت الاحداث ان مسارات التطبيع مع الكيان الصهيوني شهدت انتكاسة من خلال اغلاق مكتبي التمثيل التجاري الاسرائيلي في كل من مسقط والدوحةِ مقابل تأسيس المؤتمر الشعبي الخليجي لمقاومة التطبيع، ولذلك يعتبر التقرير ان القضية الفلسطينية كانت اكبر الرابحين بينما التطبيع مع الكيان الصهيوني اكبر الخاسرين.
من الملاحظات التي تددخل في اطار الشكل ان هناك خلطا في التقسيمات والتصنيفات الجغرافية، فالخليج العربي مصطلح مطاط، يستوعب جغرافيا عند البعض كل الدول المتشاطئة على الضفتين اي ايران وقطر والبحرين والكويت والامارات والسعودية وعمان، في حين ان هناك من يعترض على ابعاد اليمن من المحيط الخليجي، أو يستنكف عن ضم العراق اليه.
لكن التقرير الاستراتيجي نأى عن الخوض بتلك المسميات ولم يحدد من يقصد بالمنظومة الخليجية، هل هو مجلس التعاون الخليجي ام المنطقة الخليجية العربية ام الخليج فقط دون ان يتبعه اي تعريف وهذا ما يؤخذ عليه لان من شأن ترك الامر هكذا ان يساعد في التباس الفهم والمعنى للدائرة الخليجية المقصودة، فقد كان مستغربا مثلا ان يضم الملف الاحصائي، العراق ويتجاهل اليمن مثلاِِ فمعادلة 6+2 تبقى ناقصة اذا لم يضف اليمن اليها.
وبالمقارنة مع التقارير السنوية السابقة فقد اضاف هذا العام ملفا خاصا بالاحصاءات والوثائق كالبيانات الحيوية عن الدول والجداول الاحصائية التي شملت الجوانب العسكرية والحالة الاقتصادية والسكانية والخدمات الصحية والتعليمية والمعاهدات ذات الطابع الدولي.
احتوى التقرير على سبعة فصول الاول تحت عنوان التفاعلات الخليجية – الخليجية، والثاني التفاعلات الخليجية – الدولية واعدهما الباحث معتز سلامةِ الفصل الثالث: حول امن الخليج اعده الدكتور حسن ابوطالب، والفصل الرابع كتبه احمد النجار عن نفط الخليج، والفصل الخامس تمحور حول الخليج ومسارات التسوية والتطبيع واعده الدكتور علي الغفلي، اما الفصل السادس فتناول مجلس التعاون الخليجي وهو من اعداد الدكتور محمد السعيد ادريس والفصل الاخير عن ايران والذي قامت ببحثه الدكتورة نيفين مسعد.
ما يعزز من قيمة هذا التقرير، إدراجه تثبيت الرؤية المستقبلية في كل محور يتم التطرق اليه ومحاولة استقراء السيناريوهات المحتملة، وهو اتجاه قائم في الدراسات البحثيةِ يساعد مراكز البحث وصناع القرار في تكوين رؤية وملامح المشروع في المدى المنظور.